حين يصبح الدفاع عن الفوضى موقفًا سياسيًا… أيُّ وطن نريد؟
لا أخفي دهشتي — بل صدمتي — من السيل الجارف على منصات التواصل الاجتماعي اليوم، بعد الأنباء المتداولة حول تقديم منظمة إيرا شكوى دولية ضد وزير الداخلية اعتراضًا على ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من موريتانيا. خطوة كهذه، إن صحت، لا يمكن لعقل وطني أن يستوعبها ولا لضمير مسؤول أن يتبناها.
نحن لا نتحدث عن ملف عابر أو جدل عادي. نحن أمام قضية أمن ووجود، أمام ظاهرة أنهكت البلاد لسنوات: تدفق أعداد هائلة من المهاجرين غير النظاميين، بعضهم مستقر داخل المدن وبعضهم يعبر عبر “قوارب الموت” نحو أوروبا، وما رافق ذلك من ارتفاع الجريمة، وانتشار السرقات، وتهديد المواطنين بالسلاح، وتفاقم الفوضى في مناطق عديدة.
في ذروة هذا الواقع، تأتي الدولة — ممثلة في وزارة الداخلية — لتقوم بما يفرضه واجبها: تنظيم الساحة، حماية الأمن، وترحيل من لا يحمل صفة قانونية ولا يلتزم بنظام البلد.
وخلال جلسة المساءلة الأخيرة، قدّم الوزير توضيحات دقيقة وشفافة حول الإجراءات القانونية والتنظيمية المتبعة، بشكل يعزز الثقة بأن العملية ليست اعتباطية ولا مرتبطة بأي تجاوزات.
السؤال الذي يفرض نفسه:
كيف يمكن لسياسي موريتاني، مهما كان حجمه أو مكانته، أن يدافع عن مجموعات غير شرعية تسببت — بشهادة الناس — في اضطراب الأمن ونشر الفوضى؟
هذه ليست قضية حقوق ولا إنسانية كما يحاول البعض تصويرها. إنها ببساطة قضية دولة تحاول حماية نفسها، وحدودها، ومواطنيها.
وإن صح ما يتم تداوله اليوم، فالمشهد يحمل إيحاءات مقلقة تشير إلى غموض في الدوافع وخطورة في الرسائل، وربما أجندات لا تخدم الوطن، ولا تحترم حقه في فرض النظام.
لقد آن لنا أن نرفع صوت العقل فوق ضجيج الاستغلال السياسي، وأن نضع مصلحة موريتانيا فوق كل المزايدات.
فالوطن ليس ساحة تجارب، ولا منصة للمساومة، ولا ورقة لمن يريد صناعة ضجة على حساب أمن الناس واستقرارهم.
نحن نعيش في بلد يحتاج إلى الحزم، وإلى الوضوح، وإلى قرارات شجاعة — لا إلى مواقف تبرر الفوضى تحت شعارات براقة.
وفي النهاية، سيبقى السؤال الأخطر مفتوحًا:
هل نريد دولة تحكمها القوانين… أم دولة تُربكها الأصوات التي لا ترى أبعد من أضواء الإعلام؟
أحمد يسلم ول احمل عبدي




