أنجزوا تصوراتكم.. و خلصوا البلد من ورطته !!
مرت على بلادنا خلال العقود الخمسة الماضية أربع مدارس إديولوجية، لكل منها منطلقاتها النظرية و تصوراتها العملية لمقترحاتها في حلول مختلف المشاكل البنيوية على الصعد كافة. هذه المدارس، هي على التوالي ، من حيث الوجود في القطر: مدرسة الكادحين، مدرسة الناصريين، مدرسة البعثيين و مدرسة الإخوان المسلمين. و قد تركت كل من هذه المدارس بصمتها الخاصة على التاريخ السياسي للبلاد. فالكادحون تميزت بصمتهم بالتكتيك و قوة المناورة مع الأنظمة و مع القوى المعارضة ... فلا يوجد تيار سياسي موريتاني أتقن فن المرونة كما أتقنه تيار الكادحين... حتى تمكنوا في بعض الحقب من الجمع بين إرضاء النظام من جهة ، و بين الاحتفاظ بصفة المعارضة الراديكالية، كما حصل مع نظام الرئيس السابق، معاوية. فقد كان معاوية يشيد بوطنية و حسن سلوك حزب اتحاد قوى التقدم، فيما كان الحزب يصنف نفسه و يصنفه قطاع واسع من الشعب بأنه حزب معارض بامتياز. كان أيضا الرموز التاريخين للكادحين أبرز شخصيات نظام ولد الطايع، و في ذات الوقت يلعب حزب اتحاد قوى التقدم( الجناح الراديكالي من الكادحين) دور القائد المنظر سياسيا لقوى المعارضة الليبرالية و الإسلاموية ، دون أن يكون في الأمر ما يستفز معاوية أو ينغص على القيادات التاريخية من الكادحين في أعلى مواقع المسؤولية في ذلك النظام، و دون أن يلحق بالحزب نفسه أذى من نظام كان شرسا و حساسا تجاه أصحاب الخطابات و المواقف الإديولوجية. أما تيار الناصريين فقد ترك بصمته على مستوى أجيال التعليم خلال ثمانينيات القرن الماضي ، خاصة اتساع نطاق العاطفة و المتعاطفين مع اللغة العربية و التعريب في أوساط الثانويات ، قبل أن تتحول أغلبية هذا التيار الواسع في أوساط المعلمين و الأساتذة و مختلف الأطر المتوسطة إلى قاعدة شعبية أساسية لأحزاب الأنظمة المتعاقبة ، منذ معاوية وصولا لنظام محمد ولد الشيخ الغزواني... ببنما كانت بصمة البعثيين واضحة في ترسيخ الوعي الجماهيري بقيمة الهوية العربية للدولة الموريتانية و كشف الدور الفرنسي المؤيد للقوى التغريبية من البيظان و الزنوج، معا، إلى درجة أن النخبة الزنجية المتطرفة تحسب كل ما يتعلق من مواقف شعبية داعمة للغة العربية و الهوية و متصادما مع القوى الاستعمارية ناتجا تلقائيا عن تحريض البعثيين و تنسيق جهود التيارات الإيجابية في أوساط الجماهير تجاه هذا الموضوع. كذلك فإن الأنظمة كلما تنامى خطاب العنصريين الزنوج ضدها بادرت بتحريك عناصر محسوبة تاريخيا على البعثيين للتصدي لها ، بلسان حال يقول : نفعل العنصريين العرب ، كلما دعت الحاجة ،في وجه العنصريين الزنوج، دون أن تفك هذه الأنظمة يوما حلقة من حلقات الحصار على البعثيين، مطبقين معهم المثل الشعبي" مكرهني بالشيخ و مغلى اعلي لبن انعاجو"!!
أما تيار الإخوان المسلمين فقد كانت بصمته أساسا في أسلمة البراغماتية السياسية و تطبيع ممارسة الانتهازية في العلاقة مع الأنظمة ومع القوى الحزبية الأخرى. و قد اعتمدوا على أداتين في تذليل الطريق أمام هذا العمل: الجمعيات الخيرية التي تتيح التملص من العناوين السياسية و تغطية السياسة بالعمل الخيري؛ مما كان له أكبر الأثر في توسع هذا التيار خلال العقود الثلاثة الماضية ... و العامل الثاني كان الإفطارات الرمضانية السنوية التي شكلت( مربدا شهريا سياسيا ) لجلب فسيفساء مختلفة من الطبقة السياسية الموريتانية لعرض أفكارها و للتداول في الأمور السياسية دون رسميات على أطباق حزب تواصل، بما يسمح للتيار بخلق مناخ مناسب للعلاقات العامة ... التي يوظفها التيار بحسب هبوب الرياح و اتجاهاتها و قوتها. فإذا فهمنا هاتين الأداتين، فهمنا، مثلا، كيف أن حزب تواصل انتقل دون مشقة من التصادم مع نظام ولد عبد العزيز إلى المعارضة الناصحة له بنصيحة أسداها للحزب مناصرون من داخل المعارضة للاستفادة من مقاطعة المعارضة للانتخابات، فخاضوها تحت مبرر ( الإجماع ينخرم بالواحد) ثم انقلب الحزب، بفترة وجيزة، إلى المعارضة المصادمة لولد عبد العزيز مرة ثانية، بيسر أكبر، بإشارة من علاقات عامة للحزب في مجلس وزراء ولد عبد العزيز نفسه لملء فراغ المعارضة ، في الجمعية الوطنية، الذي تسسب في وجوده مقاطعة أحزاب المعارضة الأخرى للانتخابات النيابية 2013. هذا ما نسميه أسلمة البراغماتيةالسياسية و تطبيع الانتهازية الانتخابية. اليوم، بينما يجد البعثيون أنفسهم محاصرين ، حتى الموجودين منهم في أحزاب النظام، و فيما يسعى الإخوان المسلمون بكل جهد جلي و خفي للتأثير على نظام ولد الغزواني و اختراقه، من جنوبه و شرقه، إلا أن عموم الشعب يعتبر أن النظام يتحكم فيه تياران :، تيار الناصريين على صعيد بنية الأمن بمعناها الشامل ، و تيار الكادحين على مستوى التوجه السياسي. و بما أن أصحاب الأمن لا يناقِشون و لا يناقَشون، فإن الشعب الموريتاني يحسب نجاح نظام ولد الغزواني سياسيا أو فشله يتعلق بأداء الكادحين. فقد تمسكوا بما دأبوا على تسميته، خلال عقود، بالحوار الوطني حتى بات لازمة لهذا التيار، فلا يكاد يرتطم إناء في موريتانيا بإناء إلا سارع "رجال الكادحين" إلى الدعوة للحوار الوطني، و لا يكاد إثنان من المنتمين لهذا التيار يتحدثان عن موضوع المرعى و الانتجاع إلا و أدرجا في حديثهما مقطعا عن تسوية الإرث الإنساني، فموضوع الحوار و الإرث الإنساني أكسجين يتنفسونه ... و حسنا فعلوا لكن ها هم الكادحون يحظون هذه المرة بثقة النظام و بثقة رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ محمد أحمد ولد الغزواني، نفسه، من خلال تعيين أبرز قيادات تيار الكدحة تاريخيا ،و أكثرهم احتراما بين النخبة السياسية واشتهارا بالدهاء السياسي، منسقا لهذا الحوار الوطني الضرورة... فكل التوفيق له و للكادحين في تطبيق تصوراتهم و أجندتهم في تنظيم حوار وطني بمن يرونه ،هم، جديرا به و مفيدا فيه ،للخط الذي يرونه مناسبا لموريتانيا و يخلصها من صداع " لازمة الحوار الوطني"و " هوية الدولة " و " معالجة الإرث الإنساني"
و" العبودية و مخلفاتها" ... و " و ما يناسب اللغات الوطنية "و "آليات العيش المشترك" في نظرهم و مبادئهم ... على نحو ما يرى الكادحون أنه وطني و منصف و شامل و نهائي. هذه فرصة قد لا تتكرر في توقيتها و في اتساع مداها... فلتطبقوا رؤيتكم و خلصوا البلاد من ورطة الارتهان لهذه الإشكالات و من هذا الاحتقان السياسي المزمن! إنه لن يكون مستساغا ، من الآن فصاعدا، حديثكم عن هذه الأزمات بعدما وضع النظام ثقته كاملة فيكم كتيار سياسي تاريخي عريق ، و عبر أحذق شخصية سياسية وطنية من الكادحين...
أنجزوا تصوراتكم..وخلصوا البلد من ورطته!!
