منطق الوصاية على غير الراشدين!
استمعت لمقطع فيديو يرد فيه النائب الموقر إسلكو ولد ابهاه على الاتهامات الموجهة لحزب تواصل ( المعارض) في ما يتعلق بتصويت نواب الحزب إلى جانب نواب " بالوعة الإنصاف" على تعديلات تمس النظام الداخلي( للبرلمان الموريتاني ) ... و كلما قاله من ( دفوع) عن حزبه قابل للترويج السياسوي في برلمان تشكل أول مرة على المساومات، الخفية ، مع السلطة ، سواء كانت على أساس توازنات قبلية أو شريحية أو إثنية في ما يخص نواب السلطة ... أو كانت على قاعدة تمثيلية شكلية لأحزاب " المعارضة الديموقراطية"... فمنذ ١٩٩٢، لم يشذ البرلمان الموريتاني ، إلا في حالات استثنائية نادرة، عن مساومات خلف الستار و تحت الطاولة، بين الفاعلين في هذا المشهد البائس، مع الأنظمة، برغم ارتفاع الضجيج و تعالي الصخب أثناء الحملات الانتخابية و داخل قبة البرلمان... التي لم تكن يوما إلا حظيرة، في السر أو في العلن، لخراف بانورج، التي كانت تتناطح في الظاهر في السفينة لكنها في الحقيقة تتزاحم لنيل السبق في من يكون التابع الأول للكبش الأكبر! و الكبش الأكبر في موضوعنا الآن هو من يمسك بالسلطة.
إني لأتذكر، عبورا ، أحد نواب المعارضة، في مطلع الألفية، و كان شخصية سياسية إديولوجية تاريخية، يهاجم بحماس شديد مشاريع قوانين حكومية... لكنه في النهاية صوت عليها بعد ما أخرج أصابعه من تلك المشاريع القانونية يمينا و يسارا ! و أتذكر نائبا آخر مشاكسا جدا تعتقله السلطة برغم حصانته البرلمانية ... ثم ترسله رأد الضحى مسلسلا في الأصفاد إلى المستشفى على مرآى و مسمع من الرأي العام الوطني و العالمي... و هل هناك دعاية أو خدمة ترويج لرجل سياسي أعظم من هذا المشهد!!!!
و ألأمثلة كثيرة على التخادم بين معارضاتنا و الأنظمة الحاكمة ... لأن البرلمان الموريتاني ، منذ نشأته ببساطة شديدة، منطقة حصرية على الأنظمة، لا يدخلها إلا من تقبل بدخوله، علم ذلك من علمه و جهله من جهله!
صحيح أن جماعة الإخوان، في موريتانيا، في ظل قيادتهم السياسية، كانت مولعة بتقليد الحركة الوطنية الديموقراطية Mnd في مواقفها السياسية ؛ فقد قلدتها في تمييع الموقف من اللغة العربية و الدوس على المادة السادسة من الدستور ذات الصلة؛ بحيث تكون اللغة الفرنسية هي صمام أمان و ضامنا للوحدة الوطنية الموريتانية خاصة مع الزنوج ، و تتبعت خطواتها في موضوع الإرث الإنساني، و تماهت معها في اتهام القوميين العرب، خاصة البعثيين، في هذا الموضوع، بصرف النظر عن الأدلة التي تنفي أي علاقة بين البعثيين و نظام ولد الطايع في تلك الحقبة السوداء من تاريخ البلاد... و لست مطلعا على مواقف الإخوان اليوم في ظل قيادتهم الفقهية المؤقتة في ما يخص الولع بمتابعة نهج الحركة الوطنية الديموقراطية، لكن جملة التبريرات التي قدمها النائب المحترم- إسلكو ابهاه، في دفاعه عن دعم نواب حزبه لنواب السلطة ، خاصة قوله إنهم فعلوا ذلك سعيا لانتزاع " مكاسب و تحسينات" للشعب الموريتاني و للمعارضة- لا يختلف، في شيء، عما يقوله الرئيس الدكتور محمد ولد مولود، في كل خرجاته الإعلامية، حين يبرر نهج مساومات الحركة الوطنية الديموقراطية مع الأنظمة- تلك المساومات التي لم تقم بها الحركة إلا لانتزاع بعض المكاسب و التحسينات للمعارضة ( القاصرة) التي لم ترشد بعد ، و لم تدر سبيلا لمصالحها و مصالح الشعب الموريتاني، إلا بفضل الحركة الوطنية التي ينالها الأذى ممن لا تدخر جهدا لنفعهم ... ففي كل مرة يتحدث قادة الحركة الوطنية عن تاريخهم السياسي ، فإنهم يتحدثون عن عقول الحركة المتقدمة وطنيا و سياسيا و ذهنيا على مجموع السياسيين من الحركات الأخرى، التي ستعقل، لاحقا كما هي حالة الأطفال القصر ، أفضال وصاية الحركة الوطنية على تلك الحركات و على الشعب الموريتاني ، على نحو ما سيعقل الأطفال حين يرشدون نعمة وصاية الوالدين عليهم! على هذا النحو، برر النائب إسلكو ابهاه تصويت نواب حزبه ، الذين لا يستطيع أحد المزاودة عليهم عقليا و وطنيا و حضوريا، مثل Mnd, إلى جانب نواب السلطة، و سيدرك نواب المعارضة عندما ينضجون عقليا كم كانت عظيمة نعمة حزب تواصل على الموريتانيين في ظل معارضتهم لنظام محمد ولد الشيخ الغزواني، كما كانت عظيمة نعمة اتحاد قوى التفدم (الحركة الوطنية الديموقراطية) على الموريتانيين في مساوماتهم في ظل معارضتهم لنظام معاوية ولد الشيخ سيدي أحمد للطايع... مع العلم أن الحركتين ( Mnd و الإخوان) تتحدثان، في الأحاديث الخاصة، عن قرابة إديولوجية بين ولد الطايع و الحركة الوطنية الديموقراطية، و ولد الغزواني و الإخوان المسلمين... و من هنا انسيابية التحرك بين قادة Mnd ، بخلاف غيرها، مع ولد الطايع ، و سهولة المساومة معه، و وداعة قادة الإخوان إزاء الشيخ الرئيس ولد الغزواني و ملاطفتهم لنواب أكثريته... و من هنا وجاهة التخادم بين كل حركة و قريبها الإديولوجي ، معاوية ، و ولد الغزواني.
و كما يقول الأستاذ الراحل ،محمد يحظيه ولد ابريد الليل، فإن المشهد السياسي كاللوح المبللة حروفه، لا يمنع تداخل حروفها المتتبع لها بعناية من قراءتها!
محمد الكوري ولد العربي