هل تصبح الدمقراطية المباشرة خيارا عمليا أكثر جدوى وعدلا وأعم منفعة؟

بواسطة yahya

هل تصبح الديمقراطية المباشرة خيارا عمليا أكثر جدوى وعدلا وأعم منفعة ؟ ! (في مثل هذا اليوم من عام 2022)

نشأ النظام الديمقراطي الغربي وتطور في سياقات زمنية مختلفة تماما عما نعيش في عصرنا اليوم ، فلم تكن المواصلات كما هي اليوم وكان التعرف على أحوال الناس يحتاج ممثلين عن كل دائرة يكون لهم إلمام بهموم أهلها ويعرفون سبل معالجة تلك الهموم  فيصبحون سفراء للهَمِّ المحلي لدى السلطة المركزية....فكانت الإنتخابات وكان النواب..

وبفعل الثورة المتسارعة لوسائل الإتصال والتواصل تحول العالم الفسيح المتباعد إلى قرية صغيرة وأصبحت الدولة بسرعة البرق بيتا صغيرا فغرفة أصغر.....حين تنشأ الفكرة أو يكون الحدث أو يعبر أحد عن مظلمة أو يطالب آخر بإنصاف في عيشه أو صحته يكون الجميع على بينة من الأمر كله وفي أدق حيثياته وتفاصيله يستوي في ذلك من أنتج الحدث ومن أطلق الفكرة وصاحب المظلمة أو المطلب ومن شهد هذا و شارك في تلك ومن هو قريب ومن كان بركن قصي من العالم ثم يبدأ التفاعل فيدلي كل واحد بدلوه فتتقاطع الفكرة بالفكرة والرأي بالرأي وتنجلي الصورة ويدنو الجميع من تلمس الحقيقة.....
صحيح أن العالم الإفتراضي فضاء مفتوح فيه غث وسمين وخبر كاذب وآخر يقين ورأي سديد وآخر معوج وثالث طائش ويجمع بين الوطني الرشيد  وصاحب الهدف المشبوه وفيه المثقف الرصين وفيه كثير لا يبين ولكنه رغم ما فيه من سلبيات يبقى منصة شعبية في حالة انعقاد دائم لا حاجة لها بمرسوم يفتتحها ولا آخر يختتمها ولا كلفة لها ولا حدود لمن يرتادها ولا قيود على أحد من أي جهة كانت حول ما يخبر عنه ولا حول ما يطلبه ولا ما ينبه عليه....العالم الإفتراضي سلطة شعبية لها منصات تستوعب كل شيء وتتابع كل شيء ولها القدرة والحيوية لمتابعة الجميع ولها إمكانات رقابية تعمل بالليل والنهار ليس بمقدور أي كان مواجهتها وليس بإمكانه أن يلوذ عنها ولا أن يتحيز.... 
فكيف يمكننا استغلال وتوظيف المزايا الكثيرة لهذا الفضاء ؟ وهل يمكن تنظيم هذا العالم الإفتراضي ليكون مكملا لدور البرلمان أو متطورا عنه ومتجاوزا له وعينا تسترشد بها السلطة التنفيذية لتلمس هموم الناس ومشاكل الوطن وأزماته؟ فنستغني لاحقا عن مثل هذه الغرف الميتة والضارة.  
لم يصل الحال بعدُ بالناس درجة القبول أو حتى تخيل نظام ديمقراطي بلا برلمان لكنهم في نفس الوقت يدركون أن إغراق الغرفة التشريعية بأعضاء نفعهم قليل -إن كان موجودا أصلا- وضرهم لا تسلم منه مؤسسة حكومية ولا قطاع.......فلماذا لا نجرب مقاربة تقوم على تقليل عدد هؤلاء بموازاة توظيف أمثل لاستدرار أكبر الفوائد من منصات التواصل الإجتماعي ؟
يشترك البرلمان والعالم الإفتراضي في كونهما وسيلة للتواصل بين السلطة التنفيذية والناس بفارق جوهري كبير أن هذا التواصل يكون غير مباشر في الأول وأقل زخما وأكثر تقييدا وأسهل مراقبة في حين يكون مباشرا في الثاني وبحرية أكبر وفي حدود لا يمكن حصرها ولا مضايقة الناشطين بها. 
تقوم هذه المقاربة على تقليل عدد نواب الجمعية الوطنية لحدود الستين نائبا من خلال لوائح وطنية ويشترط في النائب أن لا يقل تحصيله المعرفي عن شهادة الثانوية العامة.
ثم تقوم السلطة بخلق آلية رسمية مرتبطة برئاسة الجمهورية لمتابعة منصات التواصل الإجتماعي وما تعج به من أخبار بغية الإطلاع على شؤون البلاد وشجون أهلها مباشرة ودون وسيط........سيكون من مهام هذه الهيأة أن تميز بين صادق الخبر وكاذبه وأن تفعل الآليات الكفيلة بردع كل عابث بالخبر الكاذب وكل مروج لشائعات مغرضة لا سند لها من الحقيقة وأن ترفع تقارير يومية لرئيس الجمهورية عن أحوال الناس وهمومهم.
من فوائد تقليص عدد النواب توفير أموال طائلة تحتاجها المرافق الخدمية في التعليم والصحة والضمان الإجتماعي ومن حسناته أيضا تقليص المنافذ أمام الكثير من الناس الذين لا يفقهون كثيرا مما هم مطالبون بالتصويت عليه وتشريعه. 
كما أن هذه المقاربة ستخفف من حجم الضغوط التي تتعرض لها السلطة التنفيذية من نواب الجمعية الوطنية الذين هم في غالبيتهم أصحاب أجندات خاصة. 
وسيعني التصويت الإلكتروني (رغم ما سيرافق ذلك من  صعوبات في البداية)  ترشيدا هائلا  لتكاليف الحملات الإنتخابية بالنسبة للمترشحين وتخفيفا كبيرا لأعباء الموازنة العامة وسيعني أيضا تحرر المرشح من الإكراهات المادية التي عادة ما تمنع أصحاب الرأي غير الميسورين من التقدم لإستنطاق الناخبين وسيعني عدالة في ولوج الهيآت التشريعية التي ظلت حتي الآن حكرا على  أصحاب المال والجاه ومنتجي الأصوات.
بدأت المشاركة الشعبية في إدارة الحواضر القديمة من خلال التفاعل المباشر لساكنة قليلة في حيز جغرافي محدود ثم لما تحول التنظيم الحضري  إلى دول وكيانات فسيحة تعذر ذلك النمط فأنتج العقل البشري أنظمة حكم ونماذج مشاركة سياسية من خلال وسطاء بين الدوائر والسلطة واليوم بفعل ثورة المعلومات ومنصات التواصل الإجتماعي لم تعد المسافة تعني شيئا كبيرا......فهل تصبح الديمقراطية المباشرة خيارا عمليا أكثر جدوي وعدلا وأعم منفعة ؟ ! 
في كل الأحوال فإن المستبد المستنير خير من ديمقراطية عرجاء كالتي أقرها مؤتمر لابول....

الدكتور محمد ولد الراظي