من الانتحار خوفا من العار إلى الزعامة بالعار!
مما سمعنا من أفواه رجال عاشوا تلك الحقبة، في سبعينيات القرن الماضي، أنه كان أمين خزينة في مدينة القوارب يعمل بشكل طبيعي، و كان له صديق ينشط في مجال التجارة. ذات يوم، خطرت بالتاجر فكرة شيطانية لم تكن يومئذ في سجل قيم موظفي الدولة: طلب التاجر من صديقه، أمين الخزينة، أن يمنحه مبلغا من الخزينة مع بداية كل شهر على أن يعيده مباشرة قبل الخامس و العشرين من الشهر، بحيث يستفيد التاجر من هذه السيولة " المحفوظة في الصندوق" قبل أن تحل فترة تسديد الرواتب الشهرية. استجاب أمين الخزينة، خلي البال، لهذا الطلب، و استقام التاجر أيضا في الوفاء بالإلتزام بإعادة المبلغ في الوقت المحدد... إلى أن جاء اليوم المشؤوم!
ذلك اليوم الذي علم فيه أمين الخزينة أن بعثة تفتيش من الدولة توجهت إليه، فطلب من صديقه التاجر إعادة المبلغ الذي استلمه قبل أيام قليلة لغاية ما تنتهي مهمة التفتيش، لكن التاجر رفض و أنكر وجود مبلغ للخزينة عنده، فما كان من أمين الخزينة إلا أن أغلق مكتبه، و توجه إلى بيته و انتحر ، هروبا من عار السرقة و خيانة الأمانة... عار يعلم أنه سيلاحقه طول حياته حيثما ارتحل و أينما حل !
اليوم... تضرب الطبول و تتعالى الزغاريت و يتزاحم العلماء و مشايخ التصوف و الفنانون و طلاب الجامعة و السياسيون و الصحافة و المدونون... أمام باب رجال و نساء خانوا أمانتهم بالملايين، و كل يمدح و يمجد و يهيدن ... كان العار، عار خيانة الأمانة، سببا للانتحار في مجتمع القيم، فأصبح سببا للجاه و السلطان و النفوذ في مجتمع التفاهة و الخزي و الخسة...
محمد الكوري و لدالعربي




