مقال الأستاذ أحمد ذيبان الربيع
في صحيفة الرأي الأردنية
سُكّان المقابر
في كتابه "مت فارغا" يَخْلُص الكاتب الأميركي تود هنري ، الى نتيجة ٍ جوهرية ، وهي أن "المقابر" تعتبر أغنى بقاع الأرض ، وليست بلاد النفط والغاز ، أو تلك التي تحتوي أراضيها ، على المعادن الثمينة ، مثل الموجودة في أوكرانيا التي يمارس الرئيس الاميركي ترامب ، سياسة الإبتزاز على نظيره الرئيس الأوكراني زيلينسكي ، لمشاركة كييف في تلك المعادن على شكل استثمارات ، لسداد ِ قيمة المساعدات العسكرية والمالية والاستخبارية ، التي قدّمتها واشنطن الى أوكرانيا ، خلال ولاية الرئيس السابق بايدن ، التي تقدرها واشنطن ب 350 مليار دولار .
وفكرة الكتاب المُشار اليه الأساسية ، قائمة على ضرورة إفراغ جعبتك ، مما فيها من إبداع قبل أن توافيك المنيّة ، لأن ملايين البشر رحلوا "أي ماتوا"، وهم يحملون الكثير من الأفكار القييّمة ، التي لم تخرج للنور، ولم يستفد منها أحد ... وأجمل ما قاله هنري في كتابه " لا تذهب إلى قبرك وأنت تحمل في داخلك ، أفضل ما لديك، اختر دائماً أن تموت فارغاً " ،وهو يذكرنا في ذلك بأن العالم سيتغيّر بما قمنا بإنجازه ِ ، فالحياة قصيرة.. وتعلَّم دائما كيف تموت فارغًا !
يوم الخميس الماضي شاركت بتشييع ابن العم والصديق ، محمد قبلان الهزّاع ، مدرب الموسيقى سابقا ً في وزارة التربية والتعليم ، في مقبرة أبي عبيدة التابعة للمسجد ، الذي يحمل اسم الصحابي الجليل ، أبي عبيدة عامر بن الجراح ، القائد المُسلم وأحد العشرة المُبشرين بالجنة .. والتقطت بعض الصور للمقبرة وسكانها الذين رحلوا عن الدنيا .
ولاحظت الفرق بين القبور من حيث حجم الأسمنت، الذي بُني بعد طم القبر بالتراب ، والشواهد التي ألصقت على بعض القبور ، وما كتب عليها من دعوات بالرحمة ، أو دعوة زوار المقابر في المناسبات ، لقراءة الفاتحة على أرواحهم ، وغير ذلك من عبارات الترحم على الفقيد .... كما يوجد قبور ترابية غير ظاهرة للعيان ، من الواضح أن أصحابها كانوا من الفقراء ، ولا يمتلك ذويهم المال ل " تزيينها "! ، أو أنهم يدركون المساواة بين جميع الأموات ، بغض النظر عن قدراتهم المالية ، ولعل نظرة سريعة أو زيارة لبعض المقابر ومن دفنوا فيها ، تُعطي المرء فكرة لا جدال فيها ، وهي أن الموت هو الحقيقة المُطلقة في الحياة ، أيا كان الشخص الذي رحل عن الدنيا ، سواء كان زعيما ً سياسيا ً، أو" مليارديرا " ورجل أعمال شهيرا ، أو فقيرا ُمعدما ، وبغض النظر عن عمله أو مهنته ، لا فرق بين مهندس أو طبيب أو عالم ..الخ !
وتساءَلت ماذا يُفيد أي كلام بعد الرحيل ، غير حصاد المرء من العمل الصالح ، وما تركه في حياته من أثر طيب يتذكره الناس ، وأيا ًكان شكل القبر وحجمه وتجميله فان النتيجة واحدة.. ما يشفع للمرء بعد وفاته غير ما نفع به مجتمعه وأمته ، مثل الأعمال الخيرية والأفكار التي نفع بها مجتمعه ، وتلخصها النتيجة التي خلص اليها الكاتب الأميركي تود هنري في كتابه "مت فارغا " !
وهؤلاء سكان المقابر ، بينهم أثرياء أو متوسطي الحال ، وغالبيتهم من الفقراء لا شك أنه كانت لديهم جميعا ً، أحلام وطموحات وأفكار مختلفة ... كلها دفنت تحت التراب، وأمامنا مشهد كارثي في قطاع غزة ، حيث قارب عدد الشهداء 70 ألفا ، من المدنيين ... سواء كانوا من الأطفال والنساء والشباب وكبار السن ، أو المقاتلين قاوموا العدو ببسالة ، ولا شك أن هؤلاء كان لديهم طموحات وأحلام في الحياة كبقية البشر، وبعض الأطفال من الشهداء مثلا ً ، كان أمامهم فرص للأبداع وأن يصبحوا علماء ، لو قُدِّر لهم إكمال تعليمهم ، لكن قدر الله وما شاء ... فعل !
أما الأغنياء من سُكان المقمابر ، فقد ذهبت أموالهم إلى الورثة ، وقد تكون تسببت بمشاكل وأزمات بين وِرثتِهم ، أو ذهبوا الى المحاكم للفصل بينهم !
[email protected]