رب عذرا قبح من ذمب..!

بواسطة yahya

رب عذر أقبح من ذنب.. !
في رواية، ليس بالضرورة أنها صحيحة، أن الخليفة العباسي ، هارون الرشيد، كان ذات ليلة في سمر مع الشاعر أبي نواس؛ فقال الخليفة لأبي نواس أعطني عذرا أقبح من عمل قبيح قمت به! فقال أبو نواس غدا سآتيك به. و بينما كان الخليفة  يستمتع صباحا بألوان إحدى حدائق قصره ، كان أبو نواس يتسلل إليه من الخلف حتى ضربه على قفاه، فاستشاط الخليفة غضبا عليه: فقال أبو نواس عفوا يا سيدي لقد ظننت أنك سيدتي زبيده،  يعني زبيدة بنت جعفر بن عبد الله الهاشمية زوج الخليفة هارون الرشيد نفسه ! فقال هارون ويل أمك كيف تقول لي إنك كنت تقصد زبيدة! فقال أبو نواس: يا ملاي هذا مثال على العذر  الأقبح من الذنب!
أحيانا تسمع بعض النخب الموريتانية يأتون بأعذار أقبح من الذنوب جميعا حين يتعلق الأمر بتبريرهم للسكوت على الدوس على المادة السادسة من الدستور التي تنص على أن اللغة العربية : لغة وطنية دستورية للشعب الموريتاني. فما أكثر لهط النخب الموريتانين، خاصة نواب المعارضة،  عن الدستور و ضرورة احترامه و النفرة وراء تطبيق هذه المادة أو تلك من الدستور، ما عدا المادة السادسة منه؛ كأنما حذفوها من عقولهم و عواطفهم مثلما حذف اليهود اسم ( الرسول أحمد و صفاته) من توراتهم، التي ءامنوا ببعضها، و كفروا ببعض! 
صحيح أن حكام البلاد يدوسون على الدستور ، بفجاجة، و على المادة السادسة منه خصيصا... و صحيح أيضا أن الطبقة الميسورة من المجتمع ، من مختلف مكوناته، يحرصون على تعليم أبنائهم باللغات الأجنبية، الفرنسية أول، و لا يعطون، كثير منهم، أي اهتمام لتعليم اللغة العربية لأبنائهم... لكن هل هذا مسوغ قانوني أو أخلاقي أو وطني يصون ماء وجه نواب المعارضة و يجعلهم يقلدون نواب الحكومات و طبقة الفاسدين ، من حولهم ؟  فلماذا لا يدافع نواب المعارضة عن حرمة هذه المادة كما يدافعون عن المواد الأخرى من الدستور التي ينتهكها الحكام و الفاسدون في مجال الحكامة و التسيير و حقوق الإنسان... بل لما ذا لا يكون استهتار الحكام و نوابهم عاملا مستفزا لمضاعفة الجهد لفضح نقص الوطنية لدى  هؤلاء  للشعب؟ لماذا قبل نواب المعارضة  بالتمييز بين مواد الدستور بناء على سلوك الحكام و أعوانهم من البرلمانيين و الوزراء؟ لماذا  كشف نواب المعارضة استهتار نواب الأنظمة بالدستور في جميع مواده  و قوانينه  الأخرى و لاحقوهم فيها... ثم  تواطأوا معهم في الدوس على المادة السادسة فقط من الدستور!؟...  و الأعجب من ذلك هو هذا الصمت المشترك، المتواطئ ، و المستمر من قبل نواب المعارضة مع نواب الأنظمة المتتالية على الحذف العملي للمادة السادسة من الدستور  منذ أول برلمان، 1992، و حتى برلمان 2025!
إن إهانة الدستور في مادته السادسة الخاصة بدسترة اللغة العربية و تهميش حملة الشهادات العليا و المتوسطة بهذه اللغة من أطر البلاد من شأنه أن  يجبر الآباء، من عموم الشعب،  على إهمال اللغة العربية في تعليم أطفالهم بها و إعادة تركيز تعليمهم باللغة الفرنسية ، ليس حبا بهذه اللغة و لا تنقيصا من اللغة العربية، و إنما لربط أبنائهم بفرص العمل و منافذ العيش التي تغلقها فرنسا و وكلاؤها في البلاد أمام المتعلمين و المثقفين و المتخصصين فنيا باللغة العربية! إن دور ممثلي الشعب في البرلمان، عموما، و نواب المعارضة الوطنية خصوصا، هو النضال ضد هذا الظلم، هذا المسخ،  و رفض الاستهزاء بالدستور بكل مواده، خاصة في ما يتعلق بلغة الشعب الرسمية،  من قبل الحكومات و أعوانها من طابور المستعمر الفرنسي... و ليس دور ممثلي الشعب هو الانتقاء بين مواد الدستور، فيثورون ضد الحكومات  حين تتخطى قانونا في تسيير الميزانية أو في حق هذا النائب أو ذاك في تجريم مكونة وطنية أو حقه في التجريح بمن شاء و كيف شاء و أين شاء و متى شاء، و يصمتون عن الحكومات حين يتواصل احتقارها للغة وطنية رسمية بقوة دستور البلاد! 
أما الأعذار الأخرى في هذا الموضوع، و كثيرا ما سمعناها عند العنصريين و اللونيين و التافهين، فأعذار أقبح من الذنوب ... كما كان عذر أبي نواس أقبح من ذنبه، و كاد ينهي حياته!

محمدالكوري ولد العربي