#معايير_المحاور_الجاد: بين ضعف الإلمام وسطحية النقاش في البودكاستات السياسية
يبدو أن كثيرًا من الصحفيين الذين يخوضون غمار الحوار في هذه البودكاستات يفتقرون إلى الحد الأدنى من الثقافة السياسية اللازمة، مما يجعل نقاشاتهم سطحية وغير قادرة على سبر أغوار التاريخ السياسي المعاصر لموريتانيا، فالمحاور حتى يكون جديراً بمهمته، ينبغي أن يكون مسلحًا بمعرفة عميقة بأسس الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، ليس فقط في الحقبة الاستعمارية، بل أيضًا في مرحلة تشكّل الحركات والأحزاب السياسية في ذلك الزمن، عليه أن يدرك دور الرواد السياسيين، ومسارات النضال التي أدت إلى بروز الدولة الوطنية، فضلًا عن فهمه لطبيعة حزب الشعب الموريتاني، الحزب الحاكم آنذاك، وعلاقاته بالمجتمع، وكذلك التركيبة السكانية وتعقيدات المجموعات التقليدية.
ولا يكتمل فهمه إن لم يكن على دراية بأسباب انقلاب العاشر من يوليو 1978، وتداعيات الحكم العسكري الذي أعقبه، إلى جانب سياسات هياكل تهذيب الجماهير التي تبنّتها اللجنة العسكرية الحاكمة، وأثرها على المشهد السياسي والاجتماعي،كما أن الإلمام بتاريخ الحركات السياسية السرية، سواء الأممية أو القومية أو الحقوقية، يعدّ أمرًا ضروريًا لفهم التحولات العميقة التي مرّت بها البلاد.
ثم الانفتاح الديمقراطي عام 1991، الذي أحدث تحولًا فارقًا في الحياة السياسية، مع بروز الحزب الجمهوري الحاكم آنذاك، ونشأة أحزاب المعارضة، بدءًا بمشروع الجبهة الديمقراطية الموحدة للتعيير FDUC و وريثها اتحاد القوى الديمقراطية UFD الذي مثّل منطلقًا تشكّلت منه لاحقًا تيارات وأحزاب متعددة، وصولًا إلى انقلاب 2005، الذي طوى صفحة حقبة سياسية وفتح الباب أمام أخرى جديدة.
إن الصحفي الذي لا يمتلك إلمامًا بهذا التسلسل التاريخي، ولا يفهم ديناميات السياسة الموريتانية بكل تعقيداتها، لن يكون قادرًا على إدارة حوار جاد ومثمر حول التاريخ السياسي المعاصر للبلاد.