العروض الاقتصادية الإيرانية، هلاك كعارض عاد !
محمد الكوري ولد العربي.
بعد ما أمضى نبي الله هود عمرا طويلا في نذارة قومه (عاد) و كانوا يستعجلون عليه العذاب من ربه، استهزاء، طلع عليهم عارض عظيم فحسبوه مطرا ستمرع به أرضهم و تتكاثر أنعامهم و يحييون حياة أكثر بطرا و بذخا، بل كان ما استعجلوا به: ريح عاتية فيها عذاب أليم تدمر كل شيء أتت عليه! وما ذا كانت العاقبة ؟ فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا!!
هكذا حال الاستعراضات الاقتصادية الإيرانية: غيوم ملبدة فيها رعود قوية و بروق خاطفة و في نهايتها صواعق مذهبية و عواصف سياسية، ليس إلا.
و قد لاحظ المراقبون أن نظام الملالي ( المعممين) بعد هزيمته في الشام، يسعى سعيا هستيريا لتعويض تلك الهزيمة ب"فتح" فارسي لبلدان المغرب العربي و العمل على تلغيمها مذهبيا في سبيل تفريس بعض نخبها، كما فعل في لبنان، عبر واجهات تجارية و عروض اقتصادية. و يطرح بعض الإخوة من حين لآخر تساؤلات عن أسباب المخاوف من إيران و نظامها السياسي . صحيح أن الأصل في هذه القضايا الاقتصادية هو تشجيع العلاقات الدولية في المجالات الحيوية ذات الاهتمام المشترك، و أبرزها مجال الاقتصاد و التنمية. لكن أيضا، كأي أمر استيراتيجي، لا بد فيه من بيئة ملائمة و مطمئنة. فمثل هذه العلاقات لا تقوم على الاعتباطية و إنما هناك معايير تؤسس ، قبلا، لهذه العلاقات و تؤشر على احتمال نجاحها. و أهم هذه المعايير هي الثقة في سلوك الشريك و الاطمئنان إليه. فهل إيران شريك يوثق في سلوكه؟ و ما هي الفوائد من قربه : هل فيه فوائد اقتصادية تسعى إليها موريتانيا مثل الحصول منه على قروض أو هبات مالية ؟ هل بين موريتانيا و إيران تبادل تجاري كبير يستدعي السعى لتخفيض الرسوم الجمركية على سلعها و منتجاتها؟ و هل إيران دولة ذات سمعة دولية ممتازة يمكن استثمار العلاقة معها في الحصول على بعض الامتيازات الاقتصادية و التنموية أو الوصول إلى أسواق في بلدان أخرى بفضل العلاقة مع إيران؟. الأمر الثاني أن إيران في ظل نظام الملالي (المعممين ) بلد غير مرغوب فيه على مستوى كثير من دول العالم و خاصة في عمقنا العربي و امتدادنا الإفريقي. فعلى مدى أربعة عقود شكل هذا النظام مصدر عدم استقرار سياسي و تخلخل اجتماعي بل عمل على تخريب عديد الدول العربية عبر تأسيس أدوات مذهبية محلية لتفكيك لحمتها الاجتماعية و تأجيج اضطرابها السياسي؛ الأمر الذي جعله منبوذا و معزولا لما يمثله من خطر. و إذا ما تمكن الملالي من التغلغل، لا سمح الله، عبر يافطة الإديولوجيا المتنكرة في الاستثمارات التنموية و العروض الاقتصادية، داخل موريتانيا فسيكون ذلك بثابة الضربة القاضية لبلد ليس في أحسن وضع سياسي و لا اجتماعي. كما أن تطبيع وجوده في موريتانيا يشكل مصدر خوف مشروع و قلق دائم لكل دول الإقليم على حدودنا كلها. ضف أن الدول العربية في المشرق العربي التي اكتوت بفتن هذا النظام و شركاء بلادنا من الدول الأوروبية لن يكون تطبيعه في الإقليم مفهوما و لا مقبولا لديهم، مما يخلق تعقيدات سياسية مع تداعياتها الاقتصادية و الأمنية الأخرى على البلاد و هي في غنى عنها، و لا فائدة من ورائها.
الأمر الثالث، منذ مجيء نظام المعممين إلى السلطة في إيران، لم يخف هؤلاء، على لسان الخميني نفسه، مشروعهم التوسعي داخل الأقطار العربية في ما أسموه ب"تصدير الثورة" لإقامة الدولة الإسلامية الكبرى تحت قيادة المعممين الفرس ( الولي - الففيه) نيابة عن الإمام الغائب! . و هذا الشعار السياسي التوسعي، المتدثر بعباءة التشيع و حب آل البيت، ما يزال معمولا به لحد الآن ، و إن غير النظام تكتيكاته، من حين لآخر تبعا للظروف الإقليمية و الدولية، دون المساس بالجوهر و الهدف المركزي. فلم يغير النظام نهجه الطائفي التوسعي و لم يتراجع عن أي موقف من مواقفه التدخلية العدوانية. فحكام إيران اليوم، بعد أربعين سنة، لا يتصرفون بمنطق الدولة حتى في تصريحات دبلوماسييهم. تذكروا كيف صرح بعض أركان النظام الإيراني بأن معركة طوفان الأقصى ، و ما تسببت فيه من تضحيات عظيمة، لم تكن إلا انتقاما لمقتل مجرم الحرب و الإرهابي الإيراني قاسم سليماني! و قد أشار كثير من التحليلات لسلوك نظام الملالي إلى أنه سعى منذ عقدين إلى التغلغل في بلدان المغرب العربي و بعض البلدان الإفريقية، خاصة دولة السينغال المجاورة لنا، و ذلك استكمالا لتطويق الدول العربية، من حدودها الغربية، بعدما اعتبر أنه نجح في حكم أربع عواصم عربية في المشرق العربي عن طريق مليشياته المحلية المسلحة. و يعتبر نظام المعممين موريتانيا خاصرة رخوة في جسم الإقليم برمته. فيرى أن بعد الموريتانيين تاريخيا و جغرافيا عن عبث الفرس بالإسلام و تلاعبهم بشعار حب آل البيت من شأنه تسهيل مهمة التسلل في المجتمع، علما بأن فئات منه( المجتمع الموريتاني) تنجذب عفويا لخطاب الانتصار لآل البيت، مثل المتصوفة عموما و المنتسبين للدوحة النبوية الشريفة، في بلد لم يكتب تاريخه بعد على نحو مجرد من الأهواء و الأغراض، و أنساب كثير منه مرويات شفهية مغلقة عابرة للأجيال. و أي تساهل من الحكومة الموريتانية، في أي عهد، مع هذا النظام، أو غيره، ستكون مآلاته وخيمة و مدمرة . فسيناريوهات بناء الخلايا و الشبكات النائمة، السياسية و الإعلامية و الاقتصادية...و حتى المسلحة، التي أقامها في سوريا و لبنان و العراق تبقى قائمة في أي وقت مناسب لاستنباتها في موريتانيا و تنويمها و إيقاظها، عند الاقتضاء.. و ما سوى ذلك مما تسمعونه من تصريحات دبلوماسية و عروض اقتصادية ما هو إلا تغليف و تعمية و استدراج للفخاخ المذهبية و الفتن الطائفية التي حرقت العراق و سوريا و لبنان.... و هذا هو أكبر خطر على موريتانيا التي لا توجد في وضعية سياسية و اجتماعية و لا مناعة اقتصادية صلبة بما يكفي لسد منافذ التغلغل و التسلل و الاندساس لخلايا هذا النظام الذي لا تؤتمن بوائقه.