أمريكا تهشمنا عربا و فرسا بالتقسيط!!
التحليل، بل الوقائع تثبت أن الغرب عموما و أمريكا خاصة، يتبعون منهجية واضحة كل الوضوح في تدمير العرب و المسلمين عامة بالتقسيط. ففي مطلع سبعينيات القرن الماضي قامت المخابرات الأمريكية بدراسة معمقة لكيفية مواجهة أكثر من مليار من أتباع الإسلام في مختلف أرجاء الأرض... الذين ، رغم اختلاف قومياتهم و ألوانهم و لغاتهم و مصالحهم... ، يوحدهم كتاب واحد و رسول واحد و صلاة واحدة إلى قبلة واحدة ... و انتهت المخابرات إلى أنه لا سبيل لمواجهة هذه الكتلة البشرية الهائلة دفعة واحدة ... و إنما لا من إيجاد أسلوب يفتتها من داخلها ، فكانت المذهبية الوسلة المناسبة و الفعالة في تفجير هذه الكتلة. فما ذا كان العمل؟ عملت المخابرات الأمريكية و البريطانية خاصة في المرحلة التجريبية على إحياء و تأجيج الصراعات بين الصوفية و السلفية ؛ فاحتدم الصراع بين الفريقين خاصة من جانب السلفيين الذين ذهبوا في صراعهم حتى تكفير الصوفية و إخراجهم من الإسلام بسسب " بدعهم" ... إلا أن " دروشة " الصوفية و ابتعادهم عن العنف بكل أشكاله بفعل منهجيتهم التربوية و "السلوكية المثالية" لم يعط النتائج المرجوة من الصراع بالنسبة للاستخبارات الغربية... فكان لا بد من إعادة النظر في هذه التقنية التفجيرية فوقعوا على تاريخ الصراع بين المسلمين على خلفية الخلاف السياسي ، عقب موت النبي عليه الصلاة و السلام... و ما أدى إليه من انقسام سياسي رأسي حاد، و أفقي نسبي، تطور حتى أصبح صراعا عقديا يفصل المسلمين بين شيعة لهم معتقداتهم و سنة لهم معتقداتهم، و لكل منهم تفسيره و تأويله للنص المقدس و لتاريخ الأحداث... و هنا عملوا على استنساخ تجربة الصراع الدموي بين الكنائس الغربية- الغربية( البروتستانتية و الكاتولوكية) من جهة، و من جهة ثانية بين الكاتولوكية و الأورتودوكسية الشرقية إلى المسلمين... فأججوا هذه المرة نار الوهابية أول ضد الصوفية ثم لاحقاضد الشيعة. كان المشكل في البداية غياب مرجع سياسي أول و دينيا ثانيا يحمل لواء الصراع مع الوهابية التي كانت مسنودة بقوة بالبترودولار السعودي، فاهتدوا إلى آية الله الخميني، الذي أخضعوه لرعاية خاصة من قبل المخابرات الأمريكية و سلطوا عليه أضواء ساطعة كاشفة ، حيث كان الخميني خلال سنة 1978 لا يكاد ينتهي عنه الحديث في شتى كبريات الصحف و القنوات التلفزيونية و المحطات الإذاعية... حتى أصبح محط اهتمامات السياسيين و الإعلاميين في العالم. كان ذلك الزخم المصنوع حتى يتم به اختطاف ثورة الشعوب الإيرانية التي كانت مستعرة ضد الامبراطور الإيراني الشاه رضى بهلوي... و كان الحزب الشيوعي و مجاهدو خلق يتصدرون المشهد الثوري... فيما كان الخميني قبل ذلك بأشهر في النجف العراقية مجرد احدى الأدوات التحريضية ضد نظام الشاه عبر تسجيلات بالكاستات، ليس أكثر ... كان في العراق لا يثير أي اهتمام من جانب الاستخبارات الأمريكية خاصة. و لولا اتفاقية الجزائر 1975 بين العراق و إيران التي تضمنت تخلي النظامين عن دعم معارضاتهما ... تلك الاتفاقية التي كانت سببا في خروج الخميني من العراق لبقي عالم دين قابع بين محتويات مكتبة النجف ... غير أن خوف أمريكا من وقوع الدولة الإيرانية ،بتعدادها و تاريخها و عمق حضارتها في المنطقة و بموقعها السيتراتيجي، في يد قوى اليسار و ما يعنيه ذلك من تحالف مع الاتحاد السوفيتي الشيوعي يومئذ، هو ما سرع من تحول الاهتمام بآية الله الخميني، في مكان إقامته بفرنسا؛ فقد رأت فيه أمريكا الشخصية القيادية التي تقدر على الجمع بين معاداة الشيوعية نظرا لخلفيته الدينية و لمعاداة السعودية ، مركز الوهابية، نظرا لتطرفه المذهبي، و لمعاداة العرب ، نظرا لتعصبه القومي. فكان الخميني البرميل المتفجر القادر على تفجير المنطقة برمتها دينيا و مذهبيا و قوميا... فمكنوه من السلطة بالتنسيق مع كبار ضباط جيش الشاه... و لم يتأخر لحظة واحدة عن القيام بدور التفجير: فأعلن أن تحرير القدس يمر بتحرير النجف و بغداد من البعث الكافر و من صدام حسين، كما أعلن مبدأ تصدير الثورة الدينية على منهج المذهب الشيعي الإثني عشر و السعي لإخضاع العالم الإسلامي لسلطة الولي الفقيه الذي يحكم بأمر الإمام الغائب و بالنيابة عنه... فاندلع أكبر حريق في منطقة الشرق الأوسط على أبعاد دينية، طائفية، قومية... و توسعت رقعة التوترات المذهبية إلى أكثر من قطر خليجي...
و هكذا، تشكل محور مذهبي شيعي سياسي متطرف بقيادة الخميني في صراع مع محور مذهبي سني وهابي متطرف بقيادة مشاييخ الوهابية في السعودية يتبادلون السباب و الشتائم المذهبية و التكفير ... و كل منهما يسعى للقضاء على الآخر، و كل منهما يحركه الغرب، من خلف الستار، بمساعير كلما خبا أحدهما زادوه تسعيرا... فكانت الحرب العراقية الإيرانية مندرجة في هذا الصراع المذهبي، بدليل أن الخميني كان متحالفا مع البعث السوري لأن رأس النظام في سوريا من الطائفة النصيرية ،فيما كان الخميني يكفر البعث في العراق لأن صدام حسين محسوب على السنة... و لم يتوقف هذا الصراع العبثي الذي جاء به الخميني بل تواصل مع خلفه الخامنئي حتى عندما جاء الغرب ، و أمريكا خاصة لغزو العراق، 2003، انحاز النظام الإيراني للغزاة المخالفين في العقيدة و البعيدين في الجيرة بسبب انغماسه في وهم إمكانية تحطيم العرب قوميا و مذهبيا حتى بالشراكة مع العدو التاريخي المشترك الذي عنى منه العرب و الفرس!
و بالرغم من هذا التاريخ العدواني من جانب حكام إيران الملالي، لا تنعدم فترة من فترات هذا التاريخ إلا و العرب أمام جمهور عربي، من بينهم ، يبرر لإيران عدوانيتها و تحالفها مع العدو ضد العرب بذريعة الواقعية و مصالح دولتها، أو أمام دعاة عرب يعظون في سبيل غفران آثام إيران و مراعاة العقيدة المشتركة و الجيرة الجغرافية التي لا يمكن تغييرها كلما رأوها في ضائقة ... بالرغم من أن المعممين في إيران رموا كل هذه الاعتبارات الوعظية و المثالية وراء ظهورهم عندما كانت مصالحهم تقتضي رفسها بحوافرهم و برر لهم ذلك الرمي جمهورهم، من طابورهم العربي.
إنه لا يخفى على أي عاقل أن أمريكا تلعب على هذا المخزون من الحقد بين العرب و إيران ... و أنها تستفيد منه بأقصى درجات الإفادة لتدمير العرب مرة و الفرس مرة ، قسطا من هنا و قسطا من هناك، حقبة مع هؤلاء باسم السنة و حقبة مع أولئك باسم الشيعة ، ... و لكن لا سبيل لتلافي هذه العبثية بالعرب و الفرس إلا بعاملين إثنين: العامل الأول يتمثل في زوال نظام الملالي الذين لا يستطيعون التعايش مع العرب؛ زوال النظام بانقلاب داخلي أو بغزو أجنبي لا يهمنا أي منهما قضى عليه. و العامل الثاني يتمثل في وجود نخبة وطنية حداثية فارسية تقبل بالتعايش السلمي و التجاور الحضاري الندي مع العرب و تفصح عن ندمها و اعتذارها عما لحق من تخريب و تحطيم بالعلاقات العربية الفارسية على يد نظام المعممين الفرس، الشوفونيين الدمويين المتخلفين...
و من دون تغيير نظام المعممين و وجود نخبة فارسية منفتحة على العرب، تبقى دموع بعض العرب على إيران بعدوانيتها المشهودة في غير محلها لأن دموعهم و عقلانيتهم و واقعيتهم و وعظهم ... كل ذلك لم يجده العرب في غزو العراق و غزو ليبيا و غزو سوريا ... و يبقى ذبح العرب و احتلال أرضهم و اغتصاب نسائهم في أكثر من قطر ... باسم الثأر من محمد و أصحابه أو باسم الثأر من معاوية للحسين، سيان... فلون الدم واحد و آهات الحزن واحدة و العار واحد...
محمدالكوري العربي