السياسة بين جوهرها النبيل وانحراف ممارسيها

بواسطة yahya

السياسة بين جوهرها النبيل وانحراف ممارسيها
من المؤسف أن تتحول السياسة في نظر كثير من المواطنين إلى مرادف للمكر والخداع، بدل أن تكون أفقًا للبناء والتدبير المسؤول. ولعل السبب في ذلك يعود إلى فئة من "السياسيين" الذين لم يدركوا بعد أن السياسة ليست دهاءً فارغًا ولا صفقات مشبوهة، وإنما هي في جوهرها فنّ لقراءة الواقع، وقدرة على استشراف المستقبل، وأداة لترشيد الخلافات وتوجيهها نحو ما يخدم المصلحة العامة.
لكن واقعنا يشهد عكس ذلك؛ إذ انحدر العمل السياسي عند بعضهم إلى مجرد سوق للمساومات، تدار فيه الصفقات في الكواليس، وتُوزَّع فيه المنافع بين دوائر ضيقة، بينما يُترك عموم الشعب على هامش الاهتمام. وهكذا تُستنزف الطاقات، ويُختزل الوطن في مصالح آنية ومكاسب شخصية، وكأن السياسة فقدت وظيفتها الأصيلة لتصبح مجرد وسيلة للثراء غير المشروع وتكريس النفوذ.
وما يزيد الأمر خطورة أن هذه الفئة تفشل في كل موقع تختاره؛ فحين تُمارس المعارضة، تغيب عنها القيم الأخلاقية التي تجعلها قوة اقتراح وإصلاح، لتتحول إلى معارضة استعراضية لا تقنع المواطن. وحين تختار الموالاة، لا تختلف الصورة كثيرًا؛ إذ سرعان ما تنزلق إلى التملق والاصطفاف الأعمى، وتصبح مجرد صدى للسلطة بدل أن تكون سندًا لها في الإصلاح والتصحيح.
إن العلة واحدة في الحالتين: غياب الصدق، وهيمنة الانتهازية. فقد غرقوا في إدمان النفاق السياسي، وبات المال العام أداة للمساومة، والمواقف سلعة معروضة للبيع والشراء، والخطاب مجرد عبارات جوفاء لا تحمل مضمونًا حقيقيًا. ومن هنا تكرّست لدى الناس صورة قاتمة عن السياسة، حتى اعتُبرت فضاءً للتلوث الأخلاقي بدل أن تكون مجالًا للتنافس الشريف.
ومع ذلك، تظل الحقيقة جلية: السياسة في أصلها عمل نبيل ومسؤولية أخلاقية رفيعة. فهي حين تُمارس بروح التجرد والإنصاف تصبح رافعة للتنمية والإصلاح، وحين تُدار بالصدق والنزاهة تتحول إلى مدرسة في خدمة الوطن والمواطن. وما لم يُستعَد هذا الجوهر، سيظل المجال السياسي رهينة للانهيار، وتظل ثقة الناس في مؤسساته وممارسيه في تراجع مستمر.

عبدالله محمد ولد الحيمر