المجرم لا لون له ولا لغة ولا هوية.....
لا شك أن خطاب الكراهية أمر مخيف ونذير شؤم بيِّن لا مراء فيه فالعنف الجسدي مسبوق دوما بعنف لفظي والعنف اللفظي يكون أخطر حين يدور بين العوام والشباب الذين هم في أكثر المراحل العمرية نزقا وطيشا ويجب الوقوف في وجه أي خطاب كراهية مهما كان الشخص الذي يصدر منه ومهما كانت العباءة التي يتدثر بها ، فلا ستر ولا حماية لمن يتسبب في غرس الكراهية بين الناس والقانون يجب أن يكون له بالمرصاد وأي قانون حين لا يتم تفعيله أو حين يكون تفعيله بانتقائية ، لا يعود قانونا ويكون ضرره أكثر من نفعه....
لكن الجريمة لا لون لها ولا لغة ولا هوية فالمجرم مجرم لا يفرق بين ضحاياه فهو غالبا ما يكون تحت تأثير قوي من المواد المخدرة وهو طائش بطبعه ، نزق لا يعرف للخير سبيلا ولا يعقل شيئا غير الجريمة.....
أتيحت لي ورفاقي فرص كثيرة ، كلما دخلنا السجن، أن نتواصل مع سجناء الحق العام وكان منا من يأخذه الفضول أن يسأل بعضهم عن رحلته مع الإجرام ،لماذا اختار طريقه ؟ وكيف أصبح مجرما ؟ وكيف كان يُحَضِّر جرائمه ؟ وكيف كان ينفذها ؟ وأسئلة كثيرة أخرى متنوعة و فاتحة لفهم الكثير مما يغيب عن الناس حول هذا الموضوع لكن الوقت لا يسمح بالحديث عنها بالتفصيل.
ذكر لي أحدهم أنهم حين يستحصلون كل الأسباب التي تضمن لهم صولة ناجحة، يحددون ساعة الصفر ثم يتواعدون بعد الزوال في غرفة صغيرة بلا نوافذ فيشعلون حشيشهم في مبخرة ، ثم على أنغام موسيقى حماسية راقصة يبدأون التمايل يمنة ويسرة حتى يأخذ منهم المخدر مأخذه فيخرجون قبل الغسق بقليل على أمل اللقاء ساعة التنفيذ في المكان المحدد.....
هؤلاء قوم شواذ من كل الناس وكل الأجناس لا ينبغي أن تأخذ أحد بهم رحمة ولكن ينبغي الحذر كل الحذر من أي تفسير لفعلهم خارج دائرة الجريمة ؛ فشرارة بسيطة تحرق غابة و توقد نارا قد لا تنطفئ إلا بعد أن تلتهم أجيالا من الناس....
فالسبب المباشر للحرب في "دارفور" كان خصومة على ملكية جَمَل ، كان الشحن اللفظي قويا وواسعا فتحول شجار بين رجلين إلى حرب مدمرة مات فيها عشرات الآلاف من الأبرياء !!!!
وفي منطقة "عين الرمانة" حصل اعتداء على باص يقل عمالا فلسطينيين فدفع الشحن السياسي والطائفي بالحادثة أن تكون سببا مباشرا لحرب أهلية في لبنان مات فيها الكثير من الأبرياء العزل وما تزال جراحها لم تندمل رغم مرور ما يقارب نصف قرن عليها......
أما في قرية "اجياوارا" السنغالية فقد حصل شجار بين منمين فلان موريتانيين ومزارعين سوانك من السنغال عام 89 ؛ لم يكن هذا الحادث أول إشكال حدودي بين البلدين وكانت كل الحوادث تتم معالجتها بسرعة على مستوى الإدارات الإقليمية المعنية على طرفي الحدود لكن الجديد في هذه الحادثة أنها تزامنت مع تجييش نشط وشحن سياسي وإتني كبير تقوم به حركة قوات التحرير الإفريقية في موريتانيا "فلام" فعاجلت الجمبع وسارعت لتوظيف الحادثة لتكون سببا لنزاع مسلح بين البلدين تترتب عليه مساومات وربما خرائط جديدة أو تؤجج توترا مجتمعيا داخليا في موريتانيا يكون عنوان سِفرها الجديد في مواجهة الدولة الوطنية "دولة البيظان" ......مات عشرات الآلاف من الناس الأبرياء ونهبت ممتلكات وكاد البلدان يدخلان في نزاع مسلح لا يمكن تصور تبعاته ولا يمكن تقدير الأضرار التي كان سيتسبب فيها....
فلنبتعد جميعا عن كل ما قد يكون فيه ضرر للبلاد والعباد ولنحافظ جميعا على أسباب السكينة المجتمعية وأن لا نقبل أن يجرنا الآخرون للموقف الخطإ ولا للقول الخطإ......
الدكتور محمد ولد الراظي




