آفة الفساد المالي والإداري وأثرها على التنمية

بواسطة yahya

ٱفة الفساد المالي والإداري وأثرها على التنمية قراءة في الواقع الموريتاني 
يُعدّ الفساد المالي والإداري من أخطر الظواهر التي تُهدد كيان الدول وتُعيق مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فهو ليس مجرد انحراف سلوكي فردي، بل منظومة متشابكة من الممارسات التي تُضعف مؤسسات الدولة وتُفقد المواطن الثقة في العدالة والنظام.
يظهر الفساد المالي في صور متعددة، مثل الرشوة، والاختلاس، وسوء استخدام المال العام، بينما يتمثل الفساد الإداري في المحسوبية، والزبونية، واستغلال النفوذ، وتعطيل الإجراءات الإدارية لتحقيق مصالح شخصية.
وتبرز خطورة هذه الظاهرة في كونها تُبدّد الموارد العامة، وتُكرّس الفوارق الاجتماعية، وتُقوّض مبادئ الشفافية والمساءلة. كما أن استمرارها يؤدي إلى تراجع كفاءة الجهاز الإداري، ويُعرقل جهود الإصلاح والتنمية المستدامة.
ومن هذا المنطلق، أصبح التصدي للفساد أولوية وطنية ودولية، تتطلب تفعيل القوانين، وتعزيز الرقابة، ونشر ثقافة النزاهة والحوكمة الرشيدة داخل المؤسسات العامة.  والخاصة على حد سواء.                          الفساد المالي والإداري في موريتانيا – كما في كثير من الدول – ناتج عن مجموعة من العوامل المتشابكة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية.
فيما يلي أبرز أسباب الفساد المالي والإداري في موريتانيا:
🔹 أولاً: الأسباب السياسية
1. ضعف الإرادة السياسية في محاربة الفساد
رغم وجود هيئات رقابية وتشريعات، غالبًا ما تغيب الجدية في تطبيق القوانين على الجميع دون استثناء.
2. المحسوبية والزبونية السياسية
يتم تعيين الأشخاص في المناصب بناءً على الولاء السياسي أو القبلي بدلاً من الكفاءة، مما يؤدي إلى ضعف الأداء وتفشي الفساد.
3. غياب الشفافية في إدارة الموارد العامة
عدم نشر المعلومات المتعلقة بالصفقات العمومية، والموازنات، والإنفاق الحكومي بشكل دوري وواضح.
4. تركّز السلطة وضعف فصل السلطات
احتكار السلطة التنفيذية للقرارات الاقتصادية والإدارية يضعف الرقابة البرلمانية والقضائية.
🔹 ثانيًا: الأسباب الاقتصادية
1. ضعف الرواتب والأجور في القطاع العام
يؤدي إلى لجوء بعض الموظفين إلى الرشوة أو الاختلاس لتعويض ضعف الدخل.
2. الاقتصاد الريعي
اعتماد الاقتصاد الموريتاني على عائدات الموارد الطبيعية (كالحديد والذهب والصيد) دون تنويع اقتصادي فعّال، ما يزيد من فرص الفساد في توزيع العائدات والعقود.
3. ضعف النظام الجبائي والرقابي
غياب آليات فعالة لمتابعة التحصيل الضريبي والمحاسبة المالية.
🔹 ثالثًا: الأسباب الإدارية والمؤسسية
1. ضعف الأجهزة الرقابية
مثل محكمة الحسابات، والمفتشية العامة للدولة، التي تعاني من نقص في الموارد أو الاستقلالية.
2. البيروقراطية وتعقيد الإجراءات الإدارية
كثرة التعقيدات تفتح الباب أمام الرشوة لتسريع المعاملات.
3. عدم تطبيق مبدأ الكفاءة والمساءلة
ضعف نظم تقييم الأداء وغياب العقوبات الرادعة للمخالفين
🔹 رابعًا: الأسباب الاجتماعية والثقافية
1. انتشار الولاءات القبلية والجهوية
الثقافة القبلية تجعل الولاء للأسرة أو القبيلة أقوى من الولاء للمؤسسات، مما يشجع على المحاباة.
2. تسامح المجتمع أحيانًا مع مظاهر الفساد
يُنظر أحيانًا إلى الفساد كوسيلة "للتدبير" أو "للنجاح"، وليس كجريمة أخلاقية.
3. ضعف الوعي العام بحقوق المواطنين
قلة المعرفة بآليات الشكاوى أو مؤسسات الرقابة تحدّ من المشاركة الشعبية في محاربة الفساد.
🔹 خامسًا: الأسباب القانونية
1. قصور الإطار التشريعي
بعض القوانين لا توفر حماية كافية للمبلغين عن الفساد أو لا تنفذ بصرامة.
2. بطء القضاء وضعف استقلاليته
يجعل من الصعب ملاحقة المفسدين أو استرداد الأموال المنهوبة.
الفساد في موريتانيا مشكلة منهجية تتطلب إصلاحًا شاملاً يشمل:
تعزيز الشفافية والرقابة على المال العام،
إصلاح الإدارة العمومية وتفعيل مبدأ الكفاءة،
حماية المبلغين عن الفساد،
نشر ثقافة المواطنة والمساءلة.  
ختامًا، يمكن القول إن الفساد المالي والإداري يمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه الدول والمجتمعات، لما له من آثار مدمّرة على التنمية والعدالة والاستقرار الاجتماعي. فهو يُضعف ثقة المواطن في مؤسسات الدولة، ويُهدر الموارد العامة، ويُكرّس ثقافة اللاّمساواة والظلم.
ولمكافحة هذه الظاهرة، لا بد من تبني مقاربة شاملة تجمع بين إصلاح القوانين وتفعيل الرقابة من جهة، وتعزيز الوعي المجتمعي وترسيخ قيم النزاهة من جهة أخرى. كما أن بناء مؤسسات قوية وشفافة، قادرة على المحاسبة والمساءلة، يُعدّ حجر الزاوية في أي جهد حقيقي لمحاربة الفساد.
إن محاربة الفساد ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل هي واجب جماعي يشارك فيه المواطن والإدارة والمجتمع المدني على حد سواء، لأن النزاهة والشفافية هما الأساس الذي تُبنى عليه نهضة الأمم وتقدّمها.                                   د/ابراهيم اعل سالم