ما الهدف من اثارة موضوع سايكس بيكو ؟ صلاح المختار
تلاحظون ان ارتفاع الحديث عن حدود سايكس بيكو وصل منذ طوفان الأقصى حدا يلفت النظر بقوة، حيث أخذت أطراف معينة تؤكد أن الحدود الحالية للأقطار العربية مصطنعة وأن الدول الحالية مصطنعة، لأنها من صنع سايكس بيكو، ورغم أن هذا المنطق الذي يؤكد ان الحدود العربية مصطنعة صحيح من حيث المبدأ ، وأول من قال بذلك التيار القومي العربي خصوصا حزب البعث العربي الاشتراكي، وكان الهدف من طرح هذه الحقيقة هو توحيد الأمة العربية على أساس إن ما كان قائما قبل سايكس بيكو هو الوطن العربي الواحد بلا حدود ، حتى حينما انهارت الدولة العباسية وقبلها الدولة الأموية فالشعب العربي بقي واحدا ينتشر من موريتانيا إلى اليمن، وكان العرب يتنقلون بلا جوازات لأن وطنهم واحد، فتجد العراقي يعيش في المغرب أو في الجزائر، وتجد الجزائري يعيش في العراق أو مصر، ولهذا تجد القاب الجزائري والبغدادي والمغربي موجودة في كثير من الأقطار العربية، مثلما تجد لقب الشامي موجود في اليمن وتجد لقب الشيباني موجود في سوريا والعراق رغم أن منبعه اليمن.
وكل ذلك تعبير اصيل عن حقيقة تاريخية ثابتة وهي أن العرب أمة واحدة وجاء الاستعمار البريطاني والفرنسي وقسمها سواء في اتفاقية سايكس بيكو أو ما بعدها، وبناء عليه فمن الطبيعي أن يكون النداء لعدم الاعتراف بحدود سايكس بيكو صحيحا ومبدأيا ولكن بشرط ربطه مسبقا بالبديل الوحيد الصحيح وهو توحيد للأقطار العربية في دولة واحدة كما كانت، وليس لالغاء القطر وتفتيته وانهاء هويته العربية.
أننا أذ نثبت هذه الحقيقة فلكي نكشف الدوافع الحقيقية وراء إثارة هذا الموضوع الآن لأن من كان يثيره بشكل متفرق، هي تيارات اسلاموية شيعية وسنية، دعمت، او اسست اصلا، من قبل بريطانيا ثم امريكا واسرائيل الغربية، والتي تعتبر (القومية العربية عقبة أمام الأممية الإسلامية) وبالتالي فإن القومية العربية مدانة ويجب التخلي عنها ! وهذا المنطق مرفوض جملة وتفصيلا لأنه لا يمثل الإسلام لا من قريب ولا من بعيد وإنما يمثل نزاعات شعوبية ومشبوهة في كلا الطرفين، فليس من مصلحة من أنشأهما أي التيارين الإسلاميين الشيعي والسني،أن يتوحد العرب لان هدفهما الستراتيجي المعلن،مثلا في خطة برنارد لويس،هو تقسيم الاقطار العربية وانهاء العروبة.
ولكن نلاحظ الآن ما يؤكد المحرك المشترك لمعاداة العروبة :فنرى اليمين الصهيوني، ممثلا بنتنياهو الذي يطرح منذ طوفان الأقصى هدف إلغاء حدود سايكس بيكو على اعتبار أن من وضعتها فرنسا وبريطانيا، وبالتالي فهي حدود طارئة ومزيفة ويمكن إزالتها لاقامة اسرائيل الكبرى!وهكذا نرى تلاق عضوي واضح بين التيارات الإسلاموية والصهيونية حول انكار مشروعية الحدود العربية،رغم ان اسرائيل الغربية نتاج سايكس بيكو! فأين نجد الحقيقة؟
نضالنا من أجل الوحدة العربية يعني إن الوحدة سوف تتألف من أجزاء وهذه الأجزاء سواء كانت طبيعية أو مصطنعة تشكل البنية الأساسية للوحدة العربية،فكيف نحقق الوحدة إذا لم تتحد أقطار عربية أو كل الأقطار العربية؟ واستنادا إلى هذه الحقيقة فإن إلغاء الحدود حاليا مقرونة بإلغاء الهوية العربية وهو الهدف المشترك لهذه لهذين الطرفين الإسلامويين واليمين الصهيوني يفضي حتما إلى تفتيت الأقطار العربية دون الوصول إلى الوحدة الإسلامية والطريق المفتوح أكثر هو تحقيق حلم إسرائيل التوراتية، وقيام الامبراطورية الفارسية، وكل ذلك خطط ليتم على انقاض الامة العربية !
نعم إن الحدود مصطنعة ولكن إلغائها من أجل إقامة كيان أممي فوق القومي، مفترض ومن المستحيل قيامه، هو جوهر التآمر الاستعماري الصهيوني، ومن يشارك به قوميات وأطراف إقليمية ودولية في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل الغربية وإسرائيل الشرقية، فهذه الأطراف من مصلحتها إلغاء حدود الأقطار العربية كي تتم السيطرة عليها وتقاسمها من قبلها ،وبالتالي لن تبقى هناك أقطار عربية ولا أمة عربية، وستنشأ على أنقاضها ثلاثة كيانات إمبراطورية في المنطقة :إسرائيل الكبرى والإمبراطورية الفارسية والعثمانية الجديدة.
فأين مصلحة العرب في الدعوة الآن لإلغاء الحدود التي أنشأتها سايكس بيكو دون أن يقترن ذلك بتحقيق الوحدة العربية؟ إن المحافظة على حدود سايكس بيكو هو شرط من شروط إقامة الوحدة العربية فلا وحدة عربية بدون وجود كيانات قطرية يجب أن تتوحد، وفي اللحظة التي تلغى الكيانات القطرية تنسف فكرة الوحدة العربية من الأساس، ويمهد لولادة إمارات وجمهوريات قزمية تابعة لهذا الطرف الإقليمي أو ذاك الطرف الدولي، وهذا بالضبط هو جوهر المخططات الملتقية حول قاسم مشترك هو إنهاء الأمة العربية.
ولعل السؤال الاخطر في هذا الموضوع والذي يتجنبه دعاة الاممية الاسلاموية هو: هل تخلت اسرائيل الشرقية عن قوميتها الفارسية من اجل الوحدة الاسلامية ؟ الجواب كلا فدستور ما يسمى (جمهورية ايران الاسلامية) يمنع منعا باتا التنازل عن الاراضي الايرانية لاي طرف، رغم ان كل جيرانها مسلمين ! كما ان طهران تصر على تبعية كل المسلمين للفرس! فالقومية هي المحرك لطهران وانقرة وليس الدين، فلم يطالب الاسلامويون العرب من العربي فقط التخلي عن القومية من اجل اممية اسلاموية بينما التركي والايراني متمسكان بحدودهما القومية بقوة ويدخلان الحرب من اجلها ؟ الاسلامويون العرب فقط هم من يمارسون العداء ضد قومية امتهم وتلك هي الخدمة الاعظم التي يقدمونها للغرب والصهيونية، مقابل حمايتهم ومنع تصفيتهم كما حصل للتيار القومي العربي الناصري والبعثي والذي يعتبره الغرب والصهيونية العدو الاخطر لمصالحهما الاستعمارية .
إن نضالنا الآن يقوم على الدفاع عن الهوية القطرية العربية في كل قطر عربي على حدودها ومياهها وترابها وسمائها وثرواتها وعدم السماح بتفتيتها وتقسيمها وإلغاء هويتها، وتلك ضرورة عملية، لأن عكس ذلك سيقودنا إلى الخراب الشامل مثلما نراه الآن في العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا والسودان، المطلوب الآن المحافظة على اللبنات الأساسية التي يمكن أن تقوم عليها الوحدة العربية وهي الكيانات القطرية الحالية وإذا كان هناك أمل في إقامة وحدة أكبر هي الوحدة الإسلامية فلن تقوم الوحدة الإسلامية إلا بعد قيام الوحدة العربية، فالأقرب هو الأجدر بالوحدة من الأبعد، والأقرب هو العربي إلى العربي والأبعد هو العربي مع المسلم الآخر.
[email protected]
16-11-2025




