النار في الدار: سارق الهوية في موريتانيا_بين الداخل والخارج

بواسطة yahya

النار في الدار: سارق الهوية في موريتانيا – بين الداخل والخارج

نستفتح هذا المقال بكلمةٍ بليغة للراحل الدكتور علي شريعتي، إذ قال:
"إذا شبّت النار في بيت أحدكم، ودعاه أحد للصلاة، أو التضرع لله، فاعلم أنّها دعوة خائن، لأنّ الانصراف إلى غير إطفاء الحريق هو الاستحمار بعينه، وإن كان إلى عمل مقدّس."
في الساحة الموريتانية، تصاعد الجدل حول الهوية والانتماء، بعد تصريحات النائب خديجة مالك جالو، وما تبعها من تلاسن متصاعد بين من يرون موريتانيا عربية، ومن يرونها متعددة الهويات، ومن يختزلونها في انتماء واحد.
لكن الأهم من التصريحات، هو هذا الانجراف الجماعي إلى متاهات مصنوعة بعناية، صيغت بذكاء في بيوت الخبرة واستراتيجية الغير، حيث تم استدراجنا جميعا – من حيث لا نشعر – للمشاركة في تفكيك نسيجنا الوطني بأيدينا. 
لقد أصبح الخطاب الممزق يتسلل إلى أعماقنا، من غرف الوات ساب، إلى اللقاءات التقليدية ذات الطابع القبلي أو الإثني (التي تُغذّي الولاءات الضيقة على حساب الانتماء الوطني)، إلى منشورات الفيسبوك، حتى صرنا نردد في اللاوعي ما لم نقله في العلن.
كل من يملك هاتفا ذكيا مدعوٌّ ليتفقد محتوى مجموعاته: هل يجد فيها ما يعزز الانتماء الوطني؟ أم ما يعمق الشعور بالقبيلة والجهة والفئة؟ 
وإذا لاحظ أحدنا أنه يفتخر بانتمائه القبلي أكثر مما يعتز بانتمائه للوطن، فليعلم أنه – من حيث لا يشعر – صب الزيت على نار الهشاشة والانقسام.
هل نسأل أنفسنا بصدق: هل شرف القبيلة في أعماقنا يعلو على شرف الوطن؟
هل نحترم الانتماء الوظيفي الوطني (الولاء الذي يُترجم بالأفعال، لا بالشعارات) كما نحترم العائلة الموسعة أو الجماعة الضيقة؟
هل نحن مستعدون لأن نعطي لهذا الوطن، أم فقط نطالبه أن يعطينا؟
لقد شاركنا جميعا، بدرجات متفاوتة، في هدم المعنى الحقيقي للوطن، فلم نعد نرى في موريتانيا إطارا جامعا، بل ساحة للتقاسم والصراع. وتحت هذا السقف، فإن الحديث عن هوية الدولة، سواء قيل إنها "عربية فقط" أو "متعددة المكونات"، ليس هو جوهر الإشكال، بل مجرد سطح للانفعال، وصدى لحريق لم نطفئه بعد.
الجوهر أعمق من ذلك بكثير، الجوهر أن هناك فسادا يستشري، وعدالة غائبة، وبطالة تخنق الأمل، وتمييزا، حيث يشعِر أبناء الوطن بأنهم ليسوا سواء. هنا يكمن لبّ الأزمة. وهنا فقط يمكن أن يكون للحلول معنى.
حين يضمن الطالب مستقبله من خلال تفوقه، لا من خلال انتمائه العائلي،
حين يقتنع الجميع بأن لا اتميز إلا بالاستحقاق، حين لا يشعر أي مواطن أن عينه مرصودة لأنه "ناطق بالحسانية" أو "البولارية" أو "السونكية" أو "الولفية"، حينها فقط، ستسود هوية الأغلبية – أيًّا كانت – بهدوء، دون إكراه ولا ضجيج، لأنها ستكون نابعة من شعور جماعي بالانتماء، لا مفروضة بشعور بالغبن.
ما عدا ذلك، فهو انخراط في استراتيجية الآخر: أن نتنازع نحن، ليحصد هو، أن نحترق نحن، ليبني هو.
وبالمجمل،  فإن دعوة الإنقاذ ليست في الاصطفاف والتمترس خلف الهويات الفرعية بل في مشروع وطني جامع، يبدأ بالعدالة، ويتواصل بوقف الفساد، ويمر عبر استغلال مقدرات البلد في خدمة كل مواطنيه.
لنكن من رجال الإطفاء، لا من حطب الحريق.

تحياتي 
أحمد أمبارك
رئيس مركزديلول للدراسات والبحوث الاستراتيجية