دردشة في تهميش لحراطين

بواسطة yahya

دردشة في تهميش لحراطين!!
● كثيرا ما يجري الحديث عن تهميش لحراطين، و حق للناس الحديث عنه .. لكن قلما سمعت حديثا عن مقترحات ذات صلة بلحراطين ، من غير النخبة و السياسيين.  فما يتداوله المتحدثون عن التهميش  هو ما يشعر به أطر لحراطين من غبن، مادي و سياسي مقارنة مع زملائهم من أطر البيظان .  أما ما يعانيه آدوابه، فلا شأن له بتعيين فلان وزيرا أو مديرا، أو رئيس مشروع. فتلك أمور شخصية و أسرية في أوسع نطاق لها. كما لا يهتم المحدثون عن التهميش بتهميش غير الأطر من البيظان، الذين انتشرت بينهم ظاهرة التسول الطرقي، بعدما كابروا  في وجه الحاجة إليها لعقود طويلة! 
● عموما، تهميش العرب السمر( لحراطين)  له وجهان: تهميش تعيشه جماهير الأميين و أشباه الأميين من  هذه الشريحة نتيجة مخلفات العبودية و الحرمان من التملك و التعليم، على مدى قرون  متطاولة. و حل هذا التهميش مجرد إرادة دولة  في تعميم برامج اقتصادية جدية مندمجة في مناطق تمركز لحراطين مع إجبارية التعليم على الأطفال في سن التمدرس. و  لو كنت صانع القرار لأوجبت  تأسيس علاوات تفضيلية مادية  مغرية  لكل المعلمين و الممرضين و المرشدين الزراعيين و الإداريين و الدركيين...  الذين يعملون في مناطق الفقر التي يشكل لحراطين أغلب ساكنتها، مثل البلديات الريفية و المراكز الإدارية و أحزمة البؤس حول المدن الكبرى. فحين تتوفر مشاريع اقتصادية مندمجة ملائمة  مع توفير المياه و الكهرباء و الطرق  يواكبه إصلاح عقاري يسمح فعليا بتمليك الأراضي للمزارعين العاملين في الأرض القائمين بها و المقيمين فيها، كأفراد، أو كتعاونيات، ... فعندئذ سيستغني الآباء و الأمهات الحراطين و الحرطانيات عن جهد أطفالهم، في سن الدراسة،  لتوفير لقمة العيش لأسرهم. و حين تتوفر البنى التحتية التشريعية و العملية( الطرق، الماء، الكهرباء، تسهيل  الولوج إلى الأسواق،  و تشجيع الدولة بشراء المحاصيل و لو لفترة مدروسة اقتصاديا ...)   لاستغلال الأرض و استثمارها،  فسينهض لحراطين باقتصاد البلاد في أعظم قطاع تنمويين: الزراعة و الإنشاءات. و حين يمتع عمال الدولة، العاملين في تمركزات هؤلاء السكان ،  بمغريات تفضيلية اقتصادية و معنوية لتسابق الجميع للخدمة بينهم، و لحدثت ثورة تكاملية اندماجية بين مختلف المكونات في السكن و العيش المشترك، و لانتفت بسرعة خطابات الكراهية و الشحن الفئوي.  أما الوجه الثاني من  التهميش فيتعلق بالأطر، أي بلحراطين  الذين نالوا درجات علمية، في اختصاصات مختلفة،  تمكنهم من تقلد مناصب وظيفية سامية في الدولة أو الانتشال من براثن البطالة، و لم يحظوا بالوصول لهذه الوظائف. إن هذا الوجه من التهميش لا يعاني منه لحراطين وحدهم و إنما يعاني معهم فيه كل الموريتانيين الذين حرمهم الحظ من " ريع" المحسوبية و نفوذ رجال القبائل من مسدي الخدمة السرية للسلطة منذ مجيء كوبولاني . فالبيظان البيظ و الزنوج، الذين ليس لهم صاحب رتبة عسكرية رفيعة، في قمة الهرم،  أو قريب أو وزير أو رجل أعمال نافذ بماله و علاقاته، أو فاتنة مغوية بجسدها، أو مخنث مثلي سليط اللسان مرهوب لبذاءته و فحش سلوكه، أو جاسوس متعدد الكفاءات،  أو  خريت في أوساط الفاحشة، من لم يسعفه الحظ بمثل هذه "العملات الصعبة"  ، لا مكان له في التوظيف و لا في الترقية الوظيفية، و لا في الخروج من وحل البطالة،  و لا في الوصول  لمنصات السياسة ، منذ انحدرت البلاد في منظومتها القيمية و الأخلاقية، خاصة في العقدين الأخيرين. و أصبحت مواجهة هذا الوجه من التهميش تتطلب استخدام أحد سلاحين هما ما يتوفر عليه مجتمع خامل و مستكين: سلاح النفاق السياسي المبتذل في أسلوبه و  المقزز في صوره ، و كثيرا ما نجد أطر شباب البيظان( البيظ ) و المنحدرين من الأسر النبيلة في مجتمع التكارير و الزنوج يستخدمونه لمكافحة كآبة واقع البطالة و التهميش الوظيفي  و آثاره الاقتصادية و السياسية. فمثلا، ارتباط العديد من الشباب من حاملي الشهادات العلمية بوجيه قبلي مخبر، أو بعسكري سام، أو وزير صنع شهرته باختلاس المال العام ، أو سيد أعمال بنى ثروته من صفقات اقتصادية مشبوهة . و هؤلاء الشباب لا شغل لهم إلا التمجيد و الدفاع و التلميع الإعلامي لمن يعتبرونه خشبة خلاص من بين هذه الفئات ! و قد يصعد أحد هؤلاء، بتراكم الخبرة في النفاق عبر السنين،  إلى مواقع كبيرة و دسمة جدا  على أكتاف إحدى هذه الرافعات البشرية الفاسدة، ثم يقلب لها ظهر المجن و يصبح ألد منافسيها و خصومها، سياسيا و اقتصاديا، وطنيا أو جهويا! 
أما السلاح الثاني الذي ابتكره المهمشون في وطنهم فهو سلاح التطرف الفئوي و ما يقتضيه من لغة هابطة وعنصرية، و كثيرا ما يستخدم  الشباب المتعلم من لحراطين هذا السلاح للضغط على الأنظمة و أيضا على مجتمع البيظان، بوصفه في نظرهم خلفية اجتماعية للسلط،  بصورة عامة، للتخلص من محنة  البطالة و التهميش الوظيفي و الإقصاء السياسي. و يقتضي استخدام هذا السلاح التخلي كليا عن المستوى الثقافي و الأخلاقي بهدف الوصول إلى أحط التعابير  و أهبط السلوك السوقي الذي يهيج غرائز الجمهور غير المتعلم من لحراطين، الذي تغلي أعصاب أفراده بفعل مرارة التاريخ الاستعبادي و مخلفاته النفسية و آلام الفقر و المرض و الحرمان في الحاضر... فيتمكن مستخدمو هذا السلاح من تحويل بشر مسالمين، أنقياء، إلى قنابل تطارد الوهم و تلحق بالسراب في قيعان آفطوط! و كما يتنصل المنافقون السياسيون من شباب البيظان من رافعاتهم  القبلية و المحسوبية بمجرد الوصول للهدف، يتنصل أطر لحراطين المستثمرين في غرائز الجمهور  من هذا الجمهور، بمجرد ما يحجزون لأنفسهم مكانا بين الفاسدين... فينتقلون عن أحياء الفقراء  و المساكين من لحراطين و يتسابقون، جنبا بجنب،  مع شباب النفاق السياسي من البيظان في بناء الشقق و الفلاهات و اقتناء أبذخ السيارات في أرقى الأحياء و أكثرها سرفا و ترفا!! و هكذا، فكلما تخلى منافقون سياسيون، من شباب البيظان،  عن رافعاتهم القبلية و المحسوبية، بعد نيل مطلبهم،  سارعت هذه الرافعات إلى جلب قطع غيار جديدة أخرى  من شباب مبتدئ في عالم النفاق السياسي، لأجل غير مسمى! و بالتوازي،  كلما تخلى مناضلون غرائزيون ، من شريحة لحراطين، بعد إسكاتهم بوظائف و مبالغ، عن نضالهم السرائحي، اندفعت مجموعة شبابية جديدة  أخرى لحمل لواء  الشتم و السب الغرائزي بهدف نيل المصداقية في صفوف الجمهور الغاضب، الذي يجد تعويضا نفسيا عن حرمانه و مظالمه، في لغة التجريح و الشتم لتاريخ الاستعباد و لمن صنع ذلك التاريخ الاجتماعي الظالم من شريحة البيظان!  و في خضم تواصل الفساد و تفاقم تبعاته الاقتصادية و الاجتماعية و القيمية ، تتجذر ممارسة النفاق السياسي في أوساط شباب البيظان البيظ،و تنتشر ممارسة النضال الغرائزي في صفوف شباب البيظان الخظر ( لحراطين)، فيما تتسع بالوعة  الفقر و التهميش و المرض لتنهش مزيدا من جمهور الشعب المسكين،( بيظان و لحراطين و الزنوج، معا) ، و لا أحد يتكلم أو يتطلع لاقتناء سلاح ثالث أكثر رقيا و إنصافا و أضمن جمعا للوطن و للمواطنين.
يسمى هذا السلاح : التوزيع العادل للثروة الوطنية، على أسس وطنية جامعة، بحيث يتحمل الجميع، يدا في يد،  نضال  القضاء على التهميش و الإقصاء و الجوع بقيم وطنية  و باسم الشعب الموريتاني، بكل مكوناته و أعراقه...  فلقد جربنا نضال الأمعاء الفردية، تارة باسم القبيلة و طورا باسم الجهة، و كثيرا باسم الشريحة، فما ازددنا إلا فقرا جماعيا على فقر ، و تهميش على تهميش... و بعدا عن الدولة و اقترابا من التمزق و التلاشي...