الكريمة المحمية _الجزء الأول

بواسطة yahya

الجريمة المحمية – الجزء الأول
بقلم: أحمدو ولد أمبارك

أفكلما وقعت فاجعة... قلنا قضاء وقدر؟
أفلا نفرق بين مشيئة الله، وتقصير البشر؟
هل أصبح الهروب من المسؤولية عقيدة؟
وهل نسي البعض أن التوكل على الله لا يعني ترك الأسباب؟

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اعقلها وتوكل"
لكننا نترك الحبل على الغارب، ثم نرفع أكفنا إلى السماء...
وكأن الإهمال عبادة، وكأن الله أمر بالفوضى!

صبيحة اليوم، على طريق نواكشوط - بوتلميت،
توقفت السيارة التي كانت تقلني أمام مشهد لا يُنسى...
سيارة تتلظى بالنار، تلتهم من بداخلها وهم أحياء
والأجساد عالقة، لا صوت لها سوى صرخات مكتومة
والسيارات الأخرى واقفة... عاجزة، مذهولة، مشلولة
كل شيء يشتعل...
إلا الضمير!

أين الإسعاف؟
أين الذين أقسموا أن الأرواح أمانة؟

ليست هذه أول مآسي هذا الطريق
بل هو طريق يعرف أسماءنا أكثر من موظفي الحالة المدنية
ما مر عليه يوم إلا وكان فيه موت... أو انتظار للموت
وكأننا نُساق إلى المقابر دون أن نُمنح حق الاعتراض!

من القاتل؟
هل هو السائق المتهور؟
أم الطريق الذي التهمت أطرافه الفوضى، حتى لا يكاد يتسع لسيارتين، وإن هبّت الرمال ابتلعت جزءا آخر؟
أم من باع رخصة السياقة لفتى بالكاد يعرف الاتجاهات؟
أم من تعاقد مع شركة صيانة لا تصون؟

هل صار الموت عاديا؟
هل نعيش في وطن... أم في ساحة انتظار للدفن؟

وسأكتب عن كل هذا،
لا كشاهد عابر، بل كواحد من أمة تستهلك موتها كما تستهلك الخبز
عن طرق تحولت إلى مقاصل
وشاحنات تُرسل بلا فرامل
وسأكتب عن "الجريمة المحمية"
حين تصبح الأرواح أرخص من الحديد
ويُترك القاتل حرا
لأنه يملك نفوذًا، أو ظهرًا سياسيا، أو مالًا يشتري به الصمت

سأقترح... نعم، سأقترح
رغم أني أعلم أن المقترحات لا تطفئ النيران،
لكنها قد تمنع اشتعالها مرة أخرى:

- تثبيت كاميرات مراقبة في المرتفعات والمنعطفات الخطرة، لرصد التجاوزات مع إجراءات ردع صارمة للمخالفين

- مراجعة رخص السياقة، وإلغاء المشبوه منها

- تأهيل الطرق، وتوسيعها بمخارج طوارئ

- إنشاء نقاط إسعاف دائمة على المحاور الكبرى

- مراقبة إلكترونية صارمة للسرعة والحمولة

- قانون يحوّل التهور إلى شروع في القتل

ونقطة أخيرة: أن نستفيق من موتنا البطيء!

لكن دعونا نكون أكثر جرأة...

ما جدوى القانون إذا كان القاتل من قبيلتك؟
هل أنت مستعد لتحمل العقوبة؟
أم أنك تنفق وتفاوض لتأسيس الفوضى باسم الدم والانتماء؟

كيف نقيم دولة قانون...
وفي كل مجلس يُقال: "اعفوا عن ابننا، ولن يكررها!"
وكأن الجريمة زلة لسان
وكأن أرواح الأبرياء تصلح للتفاوض!

في المقال القادم، سأتحدث بصراحة عن هذا الوباء المستتر
عن المجموعات الوظيفية التي تحمي أبناءها ولو كانوا قتلة
عن الجاهلية التي عادت بثوب حديث:
"انصر أخاك ظالما... ولو دهس أسرة كاملة!"

ما لم نكسر هذا الحلف بين العشيرة والجريمة،
سيظل المجرم يدهس الأبرياء
ثم يعود إلى أهله معززا مكرما،
وتُطوى القضية تحت بساط "الصلح"...
ويُطوى معها هذا الوطن!

رحم الله من قضى