الدروز بين فترتين!
يتعرض الدروز لحملتين تشويهيتين، إحداهما يقودها المشروع القومي الصهيوني عندما يصور الدروز كمجتمع مرتزقة بلا هوية، يكفيهم فخرا أن يعيشوا ، كالأغنام، برواتب من الخزينة الصهيونية مقابل تجنديهم في المؤسستين العسكرية و الأمنية للكيان الصهيوني. و أما الحملة الثانية ،التي يعاني منها المجتمع الدرزي، فتعصف عليه من إعلام حركات الإسلاموية السياسية التي تركز على الجانب العقدي و الطقوس الدينية لدى الطائفة الدرزية المخالفة لعقيدة المسلمين السنة و الشيعة. و المجتمع الدرزي ، في عمقه، ظل، كسائر المكونات العقدية و المذهبية العربية، يفتخر بهويته القومية العربية حينما كان للعرب مشروع قومي و قادة يناضلون في سبيل تنمية الوعي القومي الجامع و حين كان المد الجماهيري بقيادة التيار القومي العربي. أما عندما تقهقر التيار القومي جراء غياب الزعيم الراحل جمال عبد الناصر و انتكس هذا التيار بفعل الغزو الأمريكي للعراق و تصفية قادة حزب البعث رحم الله الجميع، فإن تيار الإسلاموية السياسية قد استفاد من هذا الفراغ، خلال العقدين الماضيين، و تمكن من نشر خطاب الفرقة المذهبية، السنية و الشيعية، مما خلق جوا من الرعب لدى الطائفة الدرزية التي ترتعب من المتشددين السنة و الشيعة معا، فكان ذلك مناخا مناسبا للتيار المتصهين داخل مجتمع الدروز للتحريض على الاندماج في المجتمع الصهيوني، الذي يقدم نفسه خشبة خلاص للدروز من خطاب الاضطهاد الديني في المجتمع العربي المهين، بشيعته و سنته، في سوريا، مؤخرا، و في العراق بعد الغزو الأمريكي، و في المجتمعات الخليجية ذات النزوع الوهابي التكفيري، فضلا سقوط بعض دول المغرب العربي، مثل تونس و غرب ليبيا و المغرب،في أيدي الإسلاموية السياسية إبان ربيع الإخوان المسلمين، في 2011. إن نظرة رجعية لدور الطائفة الدرزية ،خلال فترة مد التيار القومي العربي، ستمكن من ملاحظة انسجام هذا الدور مع طموحات الجماهير العربية في الوحدة و في المصير المشترك للعرب من طنجة حتى البحرين... بل سنرى ان الطائفة الدرزية أنجبت قادة قوميين عرب كانوا روادا عظماء في سبيل الوحدة العربية و الإسلامية و في تحرير فلسطين، مثل سلطان باشا الأطرش، و شكيب أرسلان، و كمال جمبلاط... و قيس فرو و الشاعر الفلسطيني العظيم سميح القاسم، و غيرهم... و غيرهم. إن ما نراه من ردة مخزية في صفوف بعض الدروز لا يعبر عن الوعي الجمعي الدرزي، و إنما يعكس فداحة غياب التيار القومي العربي و الآثار المدمرة لهذا الغياب على مستوى الوعي و الانتماء لبعض مكونات الشعب العربي، مثل الدروز و المسيحيين ..، و ارتعابهم من المستقبل في ظل أنظمة مذهبية دينية متخلفة ... و هذا ما يفسر نشدان بعض هؤلاء ، في حقبة يهيمن عليها الإحباط و اليأس، للخلاص و الأمان بالاندماج في المشروع القومي الصهيوني، و هو رهان قاصر و خاسر... على المدى المتوسط و الطويل.
محمدالكوري العربي