لا للمشروع الصهيوني.. و لا للمشروع الفارسي!!
(رد على رسائل على الخاص)
كثيرا ما أرسل لي بعض الإخوة ، على المسنجر و أحيانا على الواتساب، تصريحا لمسؤول صهيوني يهاجم فيه إيران، أو تصريحا لمسؤول إيراني يهاجم فيه الصهاينة... كما لو كانوا عثروا على ما يقيمون به علي الحجة في أمر العداء بين إيران و الكيان الصهيوني. .
أريد أن يفهم هؤلاء المندفعون وراء إيران، من شتى الأخلاط و الأمشاج، أن الأمر في الصراع بين إيران و الصهاينة لا يتعلق بصراع بين الإسلام و اليهودية كديانتين، و لا بين المسلمين و اليهود كمتدينين، و لا يتعلق بقضية فلسطين و تحرير شعبها من الاحتلال الصهيوني، و لا يتعلق بمساعدة العرب كشعب جار، جغرافيا و تاريخيا،للفرس، و لا يتعلق بتمسك الفرس بالمبادئ السامية للإنسانية مثل رفع الظلم عن المظلوم... كل هذه الاعتبارات لا وجود لها في أسباب هذا الصراع المتفجر فجأة بين الفرس و الصهاينة ،و لا في النتائج المنشودة من ورائه.... فالفرس ، شأنهم شأن الصهاينة، أبادوا العرب و احتلوا أرضهم و نهبوا ثرواتهم... و اغتصبوا نساءهم و شردوا شعبهم من ديارهم و أوطانهم... و تحالفوا مع أعدائهم لارتكاب أفظع الجرائم عليهم...
هذا الصراع يجري بين مشروعين، صهيوني و فارسي، يتنافسان أحيانا و يتحالفان أحيانا أخرى... على الاستحواذ على الوطن العربي... فحين ينهض المشروع القومي العربي يتحالف المشروع الفارسي و الصهيوني ضد المشروع العربي، كما حصل في عهد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر... ففي عهد ناصر كان المشروع الفارسي داعما رئيسا للمشروع الصهيوني و احتلاله لفلسطين و سيناء و الجولان و في العدوان الثلاثي على مصر ... و حين نهض المشروع القومي العربي، بعد كبوته إثر رحيل الخالد ناصر، مع القائد البطل الشهيد صدام حسين ، انحاز المشروع الفارسي للمشروع الصهيوني.... فإذا اختلفنا على " من بدأ حرب الثمان سنوات"، فلا مكابرة في أن العراق دعا لوقف الحرب بأشهر من اندلاعها لحقن دماء و أرواح ملايين البشر ، من المسلمين، و أن الخميني هو الذي أصر على استمرارها لثمان سنوات حسوما، ضاربا عرض الحائط بكل المساعي لوقفها، سواء من جانب الدول الإسلامية و منظماتها أو من قبل الأمم المتحدة و مجالسها... حتى اندحر جيشه و أقر بوقف الحرب، برغم أن توقيفها بالنسبة له" كمن يتجرع كأسا من السم!" ... و حين مالت كفة حرب السنين الثمان لصالح العراق ، كانت أمريكا تزود مشروع الخميني التوسعي بالسلاح عبر الكيان الصهيوني ، فيما عرف وقتها بفضيحة إيران- كونترا ... و حين أراد الكيان الصهيوني تدمير مفاعل تموز النووي العراقي لم يجد حليفا أوثق من إيران و معلوماتها الدقيقة عن المفاعل و مطاراتها القريبة منه ... و عندما غزت أمريكا و حلفاؤها العراق،٢٠٠٣، تحالف معهم المشروع الفارسي باعتراف رؤساء إيرن و كبار مسؤولي ضباط دولتها... و شواهد سطوة إيران على العراق منذ الغزو بادية تحت سلطة مليشياتها التي قاتلت العراق إلى جانب الجيش الإيراني... ثم قاتلت العراق إلى جانب الغزو الغربي... و انحاز المشروع الفارسي للصهاينة و الأمريكان بفعل فتاوي المراجع العراقية الشيعية التابعين لسلطة المرجعية في قم و طهران، الذين أفتوا بعدم جواز مقاومة الغزاة الأمريكان... و كل ذلك بهدف إسقاط نظام صدام حسين... الذي كان يمثل رأس الحربة في المشروع القومي العربي، و المعادي للمشروعين، الصهيوني و الفارسي، معا.
بعد إسقاط نظام صدام حسين، و بالتالي إسقاط المشروع القومي العربي، بالشراكة بين المشروعين الصهيو - أمريكي و الفارسي ، فإن من الطبيعي أن ينبعث الصراع بين هذه المشاريع العدوانية ، في ظل الفراغ القومي العربي، سعيا من كل منها لتعظيم حصته و نصيبه من الوطن العربي على حساب المشروع القومي العربي المحطم: من جغرافيته و ثرواته و مزاياه الجيو- سياسية... و من هنا يكون من السهل علينا أن نفهم السياق الذي يندرج فيه تصريح المسؤولين الصهاينة، منذ الغزو الأمريكي للعراق، من أن إيران اليوم تمثل أكبر خطر على وجود الكيان الصهيوني... و أنها أكبر تهديد له من القوميين العرب . هذا بديهي و حقيقي و واقع: لأن إيران من جهة تعمل بالضد من الكيان الصهيوني للاستيلاء على أكبر مساحة من ثروات و جغرافيا العرب و هذا يصطدم بداهة بمصالح الكيان الذي يعمل على التوسع على كامل هذه الجغرافيا و ليبسط نفوذه عليها... و من جهة ثانية لأن القوميين العرب اليوم، جميعا، لا يشكلون خطرا على الصهاينة، و لا يمثلون أملا لأي صديق ؛ لأنهم إما تخلوا عن مشروعهم القومي المتميز ، مفضلين الذوبان في المشروع الفارسي ل"مواجهة المشروع الصهيوني" ، كحالة الناصريين ؛ و إما لانعدام القوة و التخاذل و ضعف الفاعلية كما هو حال البعثيين، بعد غزو العراق و إسقاط مشروعهم ...هناك!
فأصبح واقع حال الناصريين، في تفضيلهم لاستحواذ المشروع الفارسي على العرب على استحواذ المشروع الصهيوني عليهم، مثل أولئك الذين كانوا، في مطلع القرن الماضي، يفضلون الاحتلال الانكليزي للعرب على الاحتلال الفرنسي ، و أصبح البعثيون ، في تمسكهم بمعاداة المشروعين، الصهيوني و الفارسي، و تشبثهم بظلال المشروع القومي العربي، في غياب التأثير على الواقع، كمن يسعى لرد عواصف الرمل بكفيه عن أطلال محبوبته!
كل هذا يحدث... فيما خمدت فجائيا براكين تنظيم الإسلاموية السياسية العربية ،بعدما غمرت الأمة بسيول دماء السعير العربي، و على خلفية تراجع سطوة نظام القطب الأمريكي الأوحد على العالم ...
و الأمة ... بهذه الحال تنتظر مشروعها و رجاله!
محمدالكوري العربي