الكيان الصهيو الى أين .....بعد االطفان وحرب ايران

بواسطة yahya

الكيان الصهيوني إلى أين.....بعد الطوفان وحرب إيران ؟

قد يستغرب البعض أن يكون مصير الكيان  الصهيوني عنوانا لأي تشكيك مهما كانت مبرراته  وسيستغرب الأمرَ أكثر  أولئك الذين لا يرون الحقيقة إلا من وراء نقاب ما تَنفذه الدعاية الإعلامية الغربية التي تصور الشيء بنقيضه وتلوك الكذبة مرات ومرات حتى تجعلها عند الناس هي الحقيقة.......لكن  الدعاية لو كانت تصنع من الكذبة حقيقة ما كان "غوبلز"  أخفق  في إنقاذ "هتلر" من أن يزحف عليه المارشال السوفيتي "جوكوف" فيقضي على سلطانه وهو يلوذ بمخبئه في قلب برلين ..و التغافل عن الأمور وعدم الحديث عنها لا يحول دونها ولا يؤجل حصولها ؛ وحده "أمانيل تود" باحث فرنسي في الديمغرافيا  تنبأ بسقوط الإمبراطورية السوفيتية وكان كتابه مثار تندر كبير من قبل الجميع فكل مراكز البحوث الشرقية والغربية لا تجيز حتى مجرد التفكير بالموضوع وظلت ترى الإمبراطورية السوفيتية قدرا مخيفا حتى تفاجأت بالناس ضحى يتسلقون الجدار !!!!

الكيان الصهيوني نشأ على خلفية دعوة قادها رأس المال اليهودي،  تأسست على الدفع ب"مظلومية" تاريخية عاشها المجتمع اليهودي عبر تاريخه الطويل وأن أفضل ما يُجبِر هذه  "المظلومية" هو قيام  وطن جامع لأتباع موسى... .

قاد المشروع الصهيوني الحديث جماعة من كبار أثرياء أوروبا اليهود فكان الوعد من  وزير خارجية انكلترا  "بلفور" للسياسي اليهودي البريطاني  "والتر روتشيلد" أحد كبار ساسة أسرة "روتشيلد" التي تتحكم في كبريات مصارف أوروبا وربما لها حصة كبيرة من نصيب البنوك الخاصة في الاحتياط الفيدرالي الأمريكي....

دخلت ابريطانيا في حرب 14-18 مع محور كانت ضمنه الدولة العثمانية فوعدت العرب بوعد من "ماكماهون" للشريف حسين عام 1915 باستقلال الإقليم العربي مقابل تجييش المسلمين والعرب ضد العثمانيين فنكثت بالوعد مرتين أولاهما  بتوقيع اتفاقيات سايكس بيكو عام 1916 وثانيهما  بوعد "بلفور" عام 1917  بإنشاء وطن لليهود في أرض فلسطين.......

ساعد في تسارع تنفيذ هذا الوعد  ما تعرض له اليهود على يد النازيين خلال الحرب العالمية الثانية فأصبح  الوطن اليهودي مطلبا عند الجميع في أوروبا  وكفارة عن ذنب كبير....فكانت إسرائيل

لكن هذا المشروع الذي ظنه الكثير من الناس  قويا بما فيه الكفاية وبأنه عصي على كل العاديات  يواجه هذه الأيام تحديا وجوديا كبيرا يمس بأهم ركنين من أركان قيامه واستمراره ؛  الحاضنة الدولية من جهة وجاذبية الاستيطان من جهة أخرى ،ومنشأ هذا الخطر ما تركته مجازر غزة  من نفور حواضن  المشروع عنه وما أحدثه طوفان الأقصى وحرب إيران من اهتزاز ثقة الصهائنة أنفسهم فيه.

عام 2023  بدأ فصل جديد من فصول ملحمة التحرير الفلسطينية ، طوفان الأقصى ، فقدت غزة عُشر سكانها بين قتيل وجريح وسُويت بالأرض عمارتها لكن في المقابل بدأت حواضن المشروع الصهيوني في الغرب تتآكل وبدأت صورة اليهودي الظالم تحل محل صورة اليهودي المظلوم ؛ فلم تعد إسرائيل ذاك الشعب الذي قتله الأوروبيون وشوَوْه في أفرانهم فاستوجب منهم  كفارة غليظة مأسَسَها جيل ما بعد الحرب وأورث مأسَسَتها للأجيال اللاحقة وأورث  مشاهدها وفظاعاتها من خلال سرديات عادة ما تتآكل كلما توسعت جغرافية تداولها بين الناس ويخفت أثرها كلما تباعدت بالناس الحقب ، بل أصبحت إسرائيل تعني لهذه الشعوب شرذمة مارقة لا رأفة لها بروح شيخ ولا رضيع،  سادية بفحش في شكل القتل وحجمه وفظاعته ....

جرائم الصهائنة في غزة عاشتها شعوب الأرض كلها بلغاتها وأجناسها  بالصوت والصورة لحظة حصولها ووثَّقتها وسائل التواصل كتاريخ حي محفوظ في خزانات رقمية لا تَغْبر ولا تبلى....وسائل النشر والتواصل كانت إبان محرقة اليهود  بدائية بالمقارنة مع ما هي عليه اليوم .....

تولد شعور عالمي أن الصهائنة قتلة فانتفضت شعوب الغرب انتصارا للقضية الفلسطينية التي أصبحت قضية رأي عام عالمي يملأ الشوارع والطرقات مرتين في الأسبوع...فقد تحول المزاج العام في الغرب من الشعور بالذنب اتجاه الصهائنة إلى شعور مضاعف بالذنب في حق الفلسطينيين ؛ فمن جهة يشعرون بالذنب أن آباءهم أسَّسُوا كيانا كان سببا في تشريد شعب من أرضه وتقتيل من تمسك منه بها و ذنب آخر أن حكوماتهم   تواصل اليوم دعم سياسات هذا الكيان العدوانية والدموية في حق ذات الشعب وزاد من غلواء الحنق على الصهائنة تنامي الخطاب اليميني في أوروبا والدعوة لاستعادة الدولة الوطنية التي غيبتها أمريكا المحكومة من التيار المسيحي المتصهين...

ديمغرافية إسرائيل تشكلت من موجهات هجرة منظمة من يهود أوروبا نحو "أرض الميعاد" وكل الذين هاجروا نحوها تكفلت بهم دولهم ونظمت أسفارهم جمعيات سياسية صهيونية مَرعية ومحمية من هذه البلدان ومنحت كل المهاجرين الحق  في ازدواجية الجنسية يعودون متى يشاءون ويحتفظون بمواطنتهم متى عادوا ...

خلقت هذه الهجرة علاقة عضوية بين إسرائيل وبلدان المنشإ  فكل بلد أصبحت منه جالية تقيم في إسرائيل عليه واجب التواصل معها والإهتمام بأمنها فأصبح أمن إسرائيل ينظر إليه في الغرب أنه أمن للجاليات الغربية المهاجرة أيضا  فلا يقدر سياسي أن يدير له ظهره حتى لو كان يعارض السياسات الإسرائيلية...لأن أمن الجاليات جزء من الأمن الوطني للبلدان

وحين ينقلب  المزاج الغربي سينحسر المدد الديمغرافي  وسيعطي ذلك إشارات للجاليات الغربية أن دعم البلدان الأوروبية لإسرائيل قد يفقد الكثير من أسبابه فقد بدأت أصوات كثيرة  تنادي بمعاقبة إسرائيل ولا يُستبعد أن يدفع هذا الرأي ببعض قادته ليصل السلطة في هذه البلدان ولا يُستبعد أن تتطور الأمور نحو "مأسَسَة"  "مظلومية" فلسطينية داخل أوروبا فتصبح الصهيونية عنصرية ويصبح إنكار مجازرها في فلسطين جرما يعاقب عليه القانون كما هو حال إنكار المحرقة وتصبح الهجرة نحوها مشاركة في الجريمة وربما يصبح البقاء فيها أيضا فعل مجرم قد يعرض صاحبه أن يفقد جنسية بلده الأصلي .....

سيفضي هذا التحول لتجفيف منابع الدعوة الصهيونية  واجتثاث مشروعها من مغارسه الأولى وحين تزول غشاوة التضليل عن قلب وسمع وبصر المسيحي العادي سيدرك  أن "اليهودية المسيحية"  فرية كبيرة  وأن لا سند لها من دين ولا من تاريخ وأنها مجرد بدعة ابتدعوها في السبعينات لترسيخ "غربية" الكيان الصهيوني في اللاوعي الثقافي المسيحي.......

سيتراجع كثيرا منسوب الهجرة الأوروبية نحو الكيان  ويوم يكون  الكيان عاجزا عن توفير الأمن والأمان لمن استقر فيه ستهتز الثقة  في الدولة وتبدأ الهجرة المعاكسة كما حصل منذ الأيام  الأولى للحرب على إيران....

بعد الذي فعلته إسرائيل بغزة ولبنان وسوريا  ، ظنت أنها قادرة أن تبلغ قصدها في عموم المنطقة فشنت حربا  على إيران بهدف اقتلاع نظام الحكم فيها واستبداله بنظام بهلوي يكون من مهامه الأولى أن يتعقب كل منبت نووي في البلاد فيقضي عليه...

لكن إيران كانت قوية و لم تكن وحدها خاصة في موضوع الاستخبارات والتعقب والرصد، فامتصت الصدمة بسرعة ولملمت الجراح وتحولت للسرعة الأعلى فانهزمت إسرائيل وانكسر مشروعها في بناء شرق أوسط جديد تكون هي من يرسم خريطته ويوزع الأدوار فيه...

حرب  إسرائيل المباغتة على إيران حرب مدروسة للغاية ومختارة لحظةُ إشعالها بدقة فقد سبقتها دعاية إعلامية مركزة أخافت الجميع والعرب خصوصا من الغول الصهيوني من أن لديه من الأسلحة فائقة الفعالية ما لا قبل لأحد أن يواجهه......ثم أسبقت حربها هذه بتقليم الأظافر الطائفية الإقليمية لنظام "ولاية الفقيه" فتحولت سوريا من محمية إيرانية إلى محمية تركية إسرائيلية وتحول لبنان من موطن الحزب القوي المشاكس إلى بلد يلاحق حزبا مقطوع الرأس والأطراف ومبتغى أمل منتسبيه أن لا ينالهم عقاب الدولة اللبنانية ولا تصلهم أيادي الملاحقة الصهيونية....

عولت إسرائيل في عمليتها لإسقاط نظام الحكم الإيراني على عمل استخباراتي متقن  يبدو أنه عمل لسنين ساعدها فيه كثيرا التنوع القومي والديني والمذهبي لإيران والغبن الكبير الذي يعيشه كل الأقوام غير الفارسية( ما يقارب 49% )  وكل الذين لا يفتنهم كثيرا نظام "ولاية الفقيه" من يساريين (مجاهدي خلق...) ومَلَكِيِّين يحِنٌون لعودة البهلوية....

لكن الخطة فشلت ورد الإيرانيون بقوة ولم تنفع الدفاعات الجوية في تأمين الكيان من الصواريخ الدقيقة  وما منعته حصونه تحت الأرض أن تحرقها هذه الصواريخ كقطع قماش بالية ولم ينفعه المدد الأمريكي ولا مشاركة أساطيل الغرب في المنطقة ولم يبق له غير أن يستغيث قومه فأغاثوه بوقف إطلاق نار ما زالت عملية حبك فصوله وإخراجها مثار تشكيك كبير ومواطن تفسيرات كثيرة وتأويلات....

فما الذي تبقى من أسباب تدفع يهود الغرب أو الشرق للإستقرار طويلا  في فلسطين وما الذي يدفع الأجيال القادمة أن تبقى فيها وما الذي يدفع الآخرين أن يهاجروا إليها !!!! 
لم يبق غير شعار "أرض الميعاد" والمراد به أصلا أن يستفز المتدينين من اليهود ليدفعهم للهجرة نحو فلسطين وليس يكفي لوحده حين لا يكون الأمن مضمونا والأمان ؛ فاليهود هم أحرص الناس على حياة.....

انتهت الحرب المباشرة مع إيران  بهزيمة عسكرية  لا لبس فيها  لإسرائيل _فالصهائنة لا يوقفون القتال إلا حين ينكسرون _ وانتهت الحرب غير المباشرة  بهزيمة سياسية  لا لبس فيها لإيران حين خسرت أهم وأقوى أذرعها المذهبية في المنطقة ، فلم يعد من سبب  لخوف الجوار من تمدد التشيع الإمامي ذي الشحنة القومية الفارسية و"ولاية الفقيه" ولم يعد من سبب لخوف الأنظمة  من بأس إسرائيل فقد ظهر أنها جيش مهزوم بمجرد أن يواجه من يمتلك القوة والإرادة لمواجهته.....

بينت يوميات طوفان الأقصى أن إيرن لا تبخل أذرعها بدعم  وقت السلم  لكنها لا تخاطر من أجلهم مهما حل بهم من خطب،  فلو كان ردها على مقتل إسماعيل هنيه في طهران ردا قويا كالذي ردت به على عدوان إسرائيل عليها ، لما توجه نتنياهو لضرب الضاحية وقتل قادة حزب الله ولو ردت على مقتل حسن نصر الله بنفس القوة   لما تجرأ أردوغان ونتنياهو فاستباحوا سوريا.....

خسرت إيران كثيرا في موضوع تصدير نموذج حكمها السياسي والمذهبي وليس من المتوقع أن تعاود  لسياسة تمددها في المنطقة فليس ما قبل الحرب كما بعدها والمنطقة بأسرها ستكون على موعد مع مراجعات كثيرة وكبيرة  وحتى لو حاولت إحياء أذرعها المذهبية فسيكون  من الصعب جدا أن تجد من يرحب بمساعيها من بين وكلائها فمن لم ينقذ بشار ولم ينقذ حسن نصر الله لن يكون قادرا على إقناع الآخرين أنه مغيث لهم حين يستغيثوه....

إن هزيمة إسرائيل العسكرية وهزيمة المشروع الصهيوني سياسيا وأخلاقيا وتفكك مرتكزات منظومته الدعائية من جهة  وانكفاء إيران المذهبي من جهة أخرى  قد يوفر مناخا ملائما لتصحيح الكثير من المسارات خاصة في العراق والعراق حين يتعافى تأخذ الأمة بالكثير من أسباب القوة...

المشروع الصهيوني يلفظ أنفاسه الأخيرة والإجهاز عليه ليس أمرا صعبا بشرط أن يحسن النظام العربي الرسمي قراءة المشهد وأن لا يقبل أن تحصل إسرائيل من إيران بالسلم ما عجزت أن تحصل عليه  منها بالحرب،  فالعدو هو ذات العدو والمستهدف ذات المستهدف والمقدس ذات المقدس للمسلمين عموما بكل مللهم ونحلهم.....

العرب والمسلمون عامة مطالبون اليوم بإكمال هزيمة هذا المشروع من خلال مد الجسور بين بعضهم البعض وخاصة  مصر والسعودية وإيران وباكستان وتفعيل التعاون البيني بمختلف أشكاله وبلورة مشروع درع نووي تنخرط فيه كل هذه الدول والإنخراط في مجموعة "بريكس" بقوة  وتعميق العلاقات وتنويعها مع روسيا والصين ، فهاتان الدولتان لعبتا دورا صامتا ولكنه فعال جدا في إفشال الخطة الإسرائيلية.....  

إن فشل العرب في حسن تدبير هذه اللحظة التاريخية واحتواء إيران التي هي بحاجة كبيرة للعرب  والفشل في تجاوز الخلافات البينية قد يؤدي أن تنكفئ إيران شرقا وتعالج كل البطون الرخوة التي كشفت عنها حربها مع إسرائيل فتصبح رقما صعبا في منطقة يقطن بها أكبر مخزون بشري إسلامي ويبقى العرب يندبون حظا عاثرا ويبكون أيام عز خلت لا يلوح في الأفق بصيص أمل لعودتها قريبا، فجميع رموز العز العربي باتوا منذ زمن بعيد تحت التراب.......تغمدهم الله بواسع رحمته وأسكنهم فسيح جناته

الدكتور محمد ولد الراظي