فاتح مايو 2003مايو 2025

بواسطة yahya

فاتح مايو 2003، فاتح مايو 2025.
● إثنان و عشرون سنة مرت على دخولي للسجن ، صحبة رفاق أعزاء، رحم الله من قضى نحبه منهم و أمد في عمر الأحياء. في اعتقالات البعثيين 1995، التي طالتهم بالجملة،  كنت من ضمن ثلاثة شباب فروا من الاعتقال، خارج البلد، إلى دولة  مالي ... فعرفت هناك لأول مرة  حمى الملاريا و عشت قسوتها بلا رصيد و لا معين... 
● بعد ثمان سنوات من تلك المغامرة،  كان أقسى علي  من الملاريا و صداعها و آلام عظامها و تقيؤاتها  و غثيانها... و فقر الدم الناتج عنها و خور القوة بسببها، بعيدا عن الأهل و الرحم،    ذلك التجاهل و الصمت المعيبين، يومئذ،  من نخبة موريتانيا السياسية  على اعتقالنا عشية فاتح مايو 2003، بعد واحد وعشرين يوما فقط من دخول الغزاة الأمريكيين  لبغداد ضحى يوم الأربعاء  التاسع من إبريل!  لم تهتم بنا جهة سياسية موريتانية: لا بيانات، و لا مؤتمرات صحفية، و لا تنديد بسوقنا كالأسرى للاعتقال في مكان مجهول ، و لا حديث عن حقوق  سياسية و لا حقوق إنسانية و لا زيارات مؤازرة أو مجاملة بعد إيداعنا في السجن، و لا أثناء المحاكمة، من قبل القيادات السياسية ... ما عدى تصريح يتيم ، على قناة الجزيرة، من إحدى الشخصيات السياسية  ذكرت خبر اعتقالنا ، في الساعات الأولى، على سبيل التشفي بالضعف، كون النظام استهدف "المجموعة السياسة أو الحلقة الضعيفة"، بمعنى أنه غير قادر على المس بغير البعثيين! أما بعض الإعلاميين، في قطرنا، الذين أصبح بعضهم مراسلين لقنوات عربية لاحقا،  فقد حرضوا النظام  على اعتقالنا صبيحة اقتحام الغزاة الأمريكيين لبغداد، و ذكروا بعض أسماء البعثيين المرغوب في اعتقالهم، و كنت من بينهم! 
●  طبعا، كان التاسع نيسان/ إبريل ، 2003، يوما مروعا تشيب له ولدان الأسود ! كان وزير الدفاع الأمريكي ، ساعتها، الصهيوني رامس فيلد، يزبد و يرغي ، متوعدا ما سماه " أزلام صدام حسين" و خلاياه النائمة في الدول العربية... و كان أشجع الرجال من اعتصموا بصمت القبور... أما الجبناء ، فقد سلكوا كل طريق و هرفوا بكل شيء لإثبات منقاضتهم، بل عدوانيتهم  للبعث و البعثيين! لقد كانوا معذورين في هلعهم!  وحدهم رجال المهمات الصعبة كانوا في الموعد: رجال المحاماة، المحامين الموريتانيين! فإذا كان محمد يحيا الولاتي،  المختار ولد بونا و لمجيدري حبيب الله ، و الشيخ محمد المامي و حرمه ولد عبد الجليل و سيدي عبد الله ولد الحاج إبراهيم  و محمد محمود ولد اتلاميد، و صالح عبد الوهاب  ... و لا أسثني أحدا من عمالقة تلك القرون، كانوا مفخرة  للموريتانيين في ميادينهم  ، فإن لفيف المحامين الموريتانيين كانوا  مفخرة للموريتانيين ، جميعا ، في ميدان الشجاعة و مناصرة المظلومين و الوقوف بشموخ في وجه عتاة الأنظمة و جبروت طواغيت العالم ... فلهم تؤدى تحية التقدير و تنزل القبعة للتوقير! 
اليوم، و أنا استحضر تلك الذكرى ، تذكرت أيضا أن نظام ولد الطايع الذي زج بنا في سجونه، زج أيضا  فيها بالإخوان المسلمين بعدنا بأيام ، لكن الصورة معهم  اختلفت ، فقد تدافع المجتمع السياسي و الإعلامي لمؤازرتهم  بكل حماس، فتدفقت بيانات التنديد و توالت المؤتمرات و التصريحات  الصحفية   ... حتى أن بعض الإعلاميين أقر بأنه  فعل ذلك خوفا من  أن ينزل به عقاب الله مع المغضوب عليهم في نظام ولد الطايع، فكان يرى أن من لم  يقم بالمؤازرة للإخوان و شيوخهم في محنة السجن سيتعرض لا محالة لعقاب الله! 
● ثمة ثلاثة عوامل  جوهرية كانت سببا موضوعيا  في ازدواجية تلك المعايير إزاء مواطنين سياسيين موريتانيين تعرضوا لسلب الحرية منهم :
-  العامل الأول أن الإخوان المسلمين يومئذ في مطلع بحبوحتهم المالية و انفجار ازدهارهم  السياسي في موريتانيا، خاصة بعد ما خلت لهم الساحة القومية عقب الغزو الأمريكي للعراق و إطاحة النظام السياسي للبعثيين؛
-  العامل الثاني أن  سبب اعتقال و سجن البعثيين كان شراء من قبل نظام ولد الطايع للأمان من  لحظة انفجار الغضب الأمريكي عليهم،  و تكفيرا إضافيا عن موقفه مع العراق 1991، مثلما كان أيضا   إدراكا  منه و حكما على البعثيين   بالإدبار السياسي و المادي لأمد طويل؛ 
- الأمر الثالث أن الشيخ محمد الحسن ولد اددو كان إخوانيا( طبعا ما زال)  و اعتقل مع جماعته، فخشي العوام و كثير من نخب النفاق السياسي  من التازبوت لمن  تأخر عن مناصرته هو و إخوانه في تلك المحنة،  و ليس للبعثيين، و لم يكن لهم، شيوخ سياسيين في الدين، حتى يخشى العوام و المنافقون السياسيون  من تزبوتهم إذا ما خذلوهم !
● بهذا المنطق البدائي ، تعاملت النخبة السياسية مع اعتقال البعثيين فكانوا من درجة ثانية أو ثالثة يجوز في حقهم الاعتقال و السجن و الخذلان... في مقابل الإخوان المسلمين، الذين لا يجوز في حقهم الاعتقال و السجن لأنهم صالحون و أولياء يغضب الله لغضبهم و يرضى لرضاهم، و ليس لأمريكا غضب منهم!  لكن الدنيا لا ثابت فيها  بطبيعة الحال،  سيتبدل الأمر بعد فشل  الإخوان المسلمين في مصر و إطاحة نظامهم مع الرئيس محمد مرسي رحمه الله،  ، و ينفض الجميع عنهم بعد نكبتهم في مصر ، كما انفضوا  عن البعثيين ، بعد نكبتهم  ، منذ 1991، 2003!  
●  عندما أسمع هذا اليوم بعض النخب الموريتانية  يستحضرون علم و نضال شخص في مقابل شخص آخر لا يملك ماضيا علميا و لا أدبيا  و لا نضاليا سياسيا و لا مهنيا، في موضوع  شكوى الثاني من الأول، بما يفهم من ذلك الاستحضار  أن  الأول فوق المساءلة القانونية و لا يجوز في حقه الاعتقال و لا التحقيق في أمر يتعلق بشخص" نكرة تاريخيا و اجتماعيا " ، و الثاني لا يحق له  التأذي من الأول لاعتبار الفوارق  العلمية و الأدبية و النضالية السياسية و المهنية الهائلة بينه و بين الأول ، أتألم لذكرى تلك الاعتقالات التي افتقرنا فيها للمساواة في عيون نخبة المعايير المزدوجة!
● فبدلا من التحقير ،تلميحا أو تصريحا، بمواطن تأذى فاشتكى،  كان الوجه الموضوعي في هذه المسألة هو اللجوء إلى المواد القانونية التي تعصم المحامي من المساءلة في ما يقوم به أثناء دفاعه عن موكليه، أو تفسير مقصد الاستطراد في مرافعته، محل التأذي، و الذي لا وجه فيه للمس المتعمد  بالشخص المشتكي! 
● و كلما  تأملت في مثل هذه الذهنيات الموغلة في  الماضوية، إلتمست بعض عذر لتلك الذهنيات التي تواجه الماضويين بسيل من البذاءات اللفظية و التجريحية، من بعض المنحدرين من الفئات المهمشة تاريخيا،  فهذه بتلك...

محمد الكوري ولد العربي