الأمر ليس بهذه البساطة و البدائية!!
■ ما جرى لم يكن بقصد الإساءة لشخص الممثل في ذاته، و إنما توظيف رمزي لدور درامي ما تزال ذاكرة الناس طرية به، بهدف ربط الصلة و صفة الشبه المشتركة بين الدور السيء و الفاضح للممثل في نهب الحانوت المستأجر على تسييره، و بين تصرفات و سرقة بعض حكام موريتانيا لمقدراتها بأفضح صورة و توظيف بعضها بأسوإ حال ...
■في المجتمعات التي يرتفع فيها مستوى الجهل و الأمية ، يجب إطلاق أسماء وهمية على الممثلين في الدراما و الإسكتشات بدلا من أسمائهم الحقيقين؛ لأن الممثلين ،و المجتمع معهم ، لتدني الوعي لديهم، قد لا يفصلون أسماءهم و الأدوار -التي أدوها و الرسائل النقدية للممارسات الاجتماعية التي بلغوها بهدف تطوير العقليات - عن أسماء الأشخاص في الواقع و مشاعرهم، و مشاعر ذويهم الشخصية؛
■ ليس مقبولا من الشخصيات العامة، من الآن فصاعدا، التلاعب بالأشخاص العاديين و التعريض بهم في سبيل المس بخصومهم السياسيين بالتخفي في الملح أو التوظيف الرمزي لأعمال و أدوار أولئك الممثلين في المسلسلات و الاسكتشات... فقد يعي الممثل الدرامي أن شخصا( ما) وظف دوره( السيئ) كممثل في مسلسل ، بتشبيه من لا يرضى عنهم سياسيا به، لوصمهم بممارسة قبيحة أو سلوك شائن ، للمس من شهرة أو سمعة أولئك الأشخاص الآخرين المشبهين، متفاديا بخبرته في القانون الوقوع في المحذور، إلا أن جمهور الأميين و المهرجين من المجتمع ليس بالضرورة أن يفهموا الأمر بمنطق التوظيف السياسي ؛ بل سينقلون، بعد توظيفها السياسي ، فحوى الرسالة الدرامية للممثل من دوره النبيل في توعية المجتمع إلى صفة واقعية مذمومة يتندرون بها و يتضاربونها في الأمثلة على الأدوار و الأداء المرذولين في حياة الناس الواقعية، و في ذلك أذى شديد للممثلين الذين يؤدون ،في الأعمال الدرامية، الجوانب السيئة و الشريرة في حياة الإنسان أو الممارسات و العقليات المقززة في حياة المجتمع ! فمثلا، قد يحمل اسم هذا الشخص ( الممثل) للجوانب الشريرة في الإنسان أثناء مسلسل أو اسكتش ، عندما يستقر مضرب مثل للسوء بين الأشخاص الواقعيين، صفة قدح لازمة و دائمة على كل ما هو مشين و لئيم في المجتمع! فيقال أنت " أخون من فلان" أو " ألأم من فلان" أو " أسرق من فلان"... و حين يغيب عبر العقود و الحقب الأثر المادي لأصل التشبيه ( لعب دور سيء في مسلسل) ، فلن يبقى إلا الأثر المعنوي السلبي له، المستمر بضرب الأمثال عبر الأجيال، شديد الأذى، حتى للعقب من بعد العقب...
■ على الناس أن يدركوا أن الأصل بين البشر هو المساواة و أن التفاوت بينهم طارئ و متحول ... فالناس، بفطرتهم منذ أول خلق، في أحسن تقويم، في سباق و منافسة محمومين على مصادر القوة المادية و المعنوية؛ و هي عنوان متحول و حامل متغير باستمرار ... و إذن لا أصل للموقع الاجتماعي المحجوز مسبقا، علوا أو دنوا، و لا شفاعة شرعية لصاحب الموقع الاجتماعي أو الاقتصادي الرفيع في التعالي على الناس ... فعندما يلحق الأذى ، معنويا أو ماديا، بإنسان ، بصرف النظر عن وضعه الاجتماعي و الاقتصادي القائم، فلا يمنعه ، أي مانع، من السعي لرفع الظلم و إزالة الأذى عنه، أيا كان مستوى سمو محتد المعتدي أو علو كعبه في العلم و الأدب أو غنى سجله في النضال... فتلك صفات محمودة، بالفعل، لكنها لا تعطي حق التعدى على الآخرين. فالنسب الكريم، و الغنى و التضحية في سبيل الخير... صفات نبيلة أو أعراض مكتسبة بعد الولادة ، غير أن الجوهر كامن في إنسانية الإنسان التي رافقته في أرحام الأمهات و أصلاب الآباء، التي لا تتبدل و لا تتحول أبد الآبدين!
يقول الله تعالى 《 ولقد كرمنا بني آدم...》جميعا بكل صفاتهم الحميدة و الدنيئة، الفطرية منها و المكتسبة، الشاكرة و الكافرة،...
■ نعم.. يجلس العالم الجهبذ على أرضية متساوية مع الجاهل الجهول أمام القانون ، و يستمع المحقق النزيه و القضاء العادل، جنبا بجنب، لأقوال الإمام الثقة الورع و لأقوال الإمعة المتهتك في أي أمر موضع للخلاف و للنزاع بينهما... فكل العيون تغمض و كل الآذان تغلق عن ماضي الأشخاص حتى يأخذ صاحب الحق حقه ...
فقول بعض العوام و من استخفتهم عقليات القرون الخوالي فأطاعوها: فلان ليس مساويا لفلان، فذلك منكر من القول و زورا في حق المساواة بين كرامة بني آدم، و مجانبة للعدل الذي قامت به السموات و الأرض، و أثقال و أحمال من عفونات موروث الماضي ، ...
لم تعودوا في قرون الثامن عشر و التاسع عشر و العشرين...!
محمد الكوري ولد العربي
الأمر ليس بهذه البساط والبدائية!!
