القراءة ليست مجرد. صفحات

بواسطة yahya

القراءة ليست مجرد صفحات.

القراءة ليست مجرد نشاط يومي لتمضية الوقت بل هي رحلة فكرية وروحية تتجاوز الحروف والكلمات لتصبح بوابة نحو فهم الذات والعالم. القراءة هي اداة لاكتساب الحكمة ووسيلة لتوسيع المدارك وتحفيز العقل على التفكير النقدي وتعميق الفهم الانساني للحياة بكل تعقيداتها. ولتحقيق هذه الغاية يجب على القارئ ان يجمع بين ثلاثة عناصر اساسية شغف واستفادة والتزام.

الشغف هو الشرارة التي تولد الرغبة في القراءة وهو الطاقة الداخلية التي تجعل القارئ يتجاوز التعب والانشغال اليومي ليغوص في عوالم جديدة. الشغف لا يقود القارئ فقط الى فتح كتاب بل يحفزه على اكتشاف انواع مختلفة من الادب والفكر من الروايات التي تعكس النفس البشرية الى الكتب العلمية التي توسع مدارك المعرفة وصولا الى الفلسفة التي تدفعه للتساؤل عن معنى الحياة والوجود. القارئ الشغوف يجد في الكلمات صديقا وفي الافكار رفيقا وفي الكتب عالما لم يزره من قبل.

القراءة بلا فهم او تطبيق تشبه السفينة التي تبحر بلا بوصلة. الاستفادة تعني استخلاص المعاني والدروس من النصوص وتطبيقها على الحياة الواقعية. فالقارئ المثقف لا يكتفي بالحفظ او التصفح السطحي بل يربط بين ما يقرأه وتجربته الشخصية ويتأمل الافكار ليصل الى رؤى جديدة. قراءة الكتب التاريخية تمنحنا فهما لحدث الماضي وتأثيره على الحاضر بينما قراءة الادب العالمي تعلمنا التعاطف مع الاخرين وفهم مشاعرهم وتفتح امامنا ابوابا لم نكن لنتخيلها.

الالتزام هو ما يحول الشغف والفائدة الى عادة مستمرة. القراءة تحتاج الى انضباط يومي وتخطيط مسبق لتصبح جزءا من اسلوب حياة القارئ. الالتزام يعني ان يخصص القارئ وقتا محددا للكتاب حتى لو كانت دقائق قليلة يوميا وان يثابر على القراءة رغم انشغالات الحياة والتحديات اليومية والاغراءات الرقمية. القارئ الملتزم يخلق لنفسه نظاما يساعده على استيعاب المعلومات وتثبيتها في ذهنه ويحول المعرفة المكتسبة الى قوة تمكنه من مواجهة الواقع بفهم اعمق وحكمة اكبر.يمكن تشبيه هذه العناصر الثلاثة بمثلث متين الشغف يشعل الرغبة في القراءة ويحفز العقل على الانتباه والاستفادة تحول هذه الطاقة الى معرفة حقيقية قابلة للتطبيق والالتزام يحافظ على استمرار العملية ويجعلها عادة حياة. بدون اي عنصر من هذه العناصر تفقد القراءة رونقها وفعاليتها. القارئ الذي يقرأ بلا شغف سيشعر بالملل ومن يقرأ بلا استفادة يضيع وقته ومن يقرأ بلا التزام لن يستمر طويلا في اكتساب المعرفة.

القراءة ليست مجرد هواية او نشاط فرعي بل هي اسلوب حياة. القارئ الشغوف والمستفيد والملتزم يصبح اكثر عمقا واكثر قدرة على التفكير النقدي واكثر استعدادا لمواجهة تحديات الحياة. الكتب في جوهرها ليست مجرد مصدر معلومات بل هي رفيق ومرشد ومعلم تفتح امامنا ابوابا لا تعد ولا تحصى من المعرفة والفهم وتزرع في نفوسنا القدرة على التغيير والابداع.القراءة اذا اجتمعت فيها هذه العناصر الثلاثة تتحول من مجرد فعل الى قوة حياة تغني الروح وتضيء العقل.

#زكريا_نمر