الرجل المريض!!
أطلق الأوروبيون هذا الاسم في منتصف القرن التاسع عشر على الامبراطورية العثمانية لما تداعت جراء الهزائم العسكرية المتلاحقة ، فكان هذا مؤشرا على استعدادهم لتقاسم الدول الأوروبية لأملاكها. و هذا ما ينطبق مضمونه على أتباع نظام ولد الغزواني، الذين بدأوا يتبارون في تقديم خليفة لهذا الرئيس الذي لم يقض من مأموريته الخمسية إلا سنة واحدة... و ذا أمر في غاية الغرابة و لم يحدث مع أي رئيس موريتاني سابق! فلما ذا يحدث هذا؟ و ما الهزائم التي تعرض لها ولد الغزواني حتى تتنافس أغلبيته على وراثته و خلافته... و يتزامن هذا التنافس على توزيع تركة الرئيس ولد الغزواني ، و هو حي يرزق يتنقل بين مرابع القبائل، مع ظواهر جديدة تمثلت في حرص وزارة الداخلية على الإعادة الرسمية للمنظومات القبلية بأوضح صورة و أقوى مضمون( تنصيب شيوخ القبائل و الإمارات التاريخية، في عاصمة الدولة و عواصم الولايات الداخلية، و تدفق الوفود من شتى القبائل و الجهات للتهنئة بالمناسبات المقوضة للدولة ، و استدعاء العهود، بين القبائل، من التاريخ السحيق ، مع الاستدعاء الضمني للخصومات و العداوات من التاريخ البعيد أيضا ... و كأن النظام يطلب ملاذا أو أمانا في هذه القبائل من حمم الشرائحية المنفلتة، هي الآخرى، - و التي كانت، لأول مرة، ماركة مميزة، من خلق الدولة العميقة في ظل نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز. فعندما كان الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز يطلب ترويع مكون البيظان العربي من الحرب الأهلية عمل على خلق أدوات إرهاب و إرعاب لهذا الغرض من أوساط مكونة لحراطين العربية كذلك، و اليوم يتبع نظام محمد ولد الشيخ الغزواني تكتيك إرعاب و إرهاب لحراطين بحشود القبائل و لعلعات الرصاص المسكوبة في احتفالياتها ؛ فيما تنشط، بالتوازي، العناصر العنصرية المتطرفة من مكونة البولار، دون كلل و لا ملل، لحفر أعمق الفجوات و أقوى الحواجز النفسية بين المكون العربي: لحراطين و البيظان، مستغلين، من جهة، السخط الشعبي العارم ضد النظام، المحسوب على العرب البيض، الذي تميز بفتح أبواب مقدرات و ثروات البلاد للنهب المنظم الفاضح، و بتصنيم الفاسدين ! و من جهة ثانية، تستغل هذه العناصر الأصوات العالية للمتزنجين من مكونة لحراطين لتوسيع نطاق النقمة و السخط، ليس على النظام و رموزه الفاسدين، و إنما ضد العرب داخل موريتانيا و خارجها، كما تستغل من جهة ثالثة قوة طوفان الهجرة المتدفق علينا من البر و البحر ، في سياق فشل الدول الإفريقية على حدودنا الجنوبية و سعي بعض مكوناتها القومية، ذات المكانة التاريخية في غرب القارة، المشتة بينها و المضطهدة داخلها، إلى انتزاع موريتانيا وطنا قوميا جامعا لشتاتها- في بلد منهك بالفساد البنيوي. أمام هذا الخطر الوجودي، تعزف النخبة الوطنية العربية، من عقلاء لحراطين و من البيظان، و أيضا من أصحاب الوعي و الواقعية من البولار و الزنوج الموريتانيين، عن المشاركة في نقاشات مصير البلاد المقلق لفرط ما تعرضت له هذه النخبة من تهميش لآرائهم و إقصاء لدورهم؛ مما أصابهم بيأس مميت إزاء ما يمكنهم فعله لإنقاذ البلاد من الوقوع في الفوضى ، التي تدفع إليها الأطراف جميعا بالشراكة الفعلية لفرض واقع الفوضى، و التنافس المحموم في خضم الفوضى للاستحواذ على أملاك " الرجل المريض" - مشروع الدولة الموريتانية المقوض، الذي آمن به ذات مرة الرئيس الأسبق المختار ولد داداه ، رحمه الله، و كابد على دروب التحديات لإنجاحه، بينما عارضه آخرون ، من عصره، لقناعتهم أن القبائل تصلح لملء الفراغ، و ليس لتعمير الفراغ !
محمدالكوري ولد العربي