كتب الأستاذ محمد ورزك محمود ارازكه Med Wmarzge
العبودية الرقمية تشابه القيود واختلاف الوسيلة:
في كل عصر، من عصورنا تأخذ العبودية شكلاً ممنهجا يعكس طبيعة الزمان وأدوات السيطرة فيه. وإذا كانت العبودية الجسدية' قد ارتبطت في التاريخ بالقسر والقوة وسلب الإنسان حريته جسديًا، فإن العبودية الرقمية في عصرنا الحديث، تُمارَس بأسلوب أكثر خفاءً، لكنها لا تقل خطرًا، بل قد تكون أشد نفاذًا إلى روح الإنسان ووعيه.
إن العبودية الجسدية القيد الظاهر كانت واضحة في مظاهرها، يُساق فيها الإنسان عنوة، و يُجبر على العمل، و يُحرم من أبسط حقوقه، ويُعامل كسلعة تباع وتشترى. كان السيد يملك الجسد ويتحكم في الحركة، وكانت القيود تُرى في الأصفاد والسياط والقوانين الجائرة.
اما العبودية الرقمية القيد الخفي اليوم، فقد تغيّرت الأصفاد، لكنها لم تختفي فصارت وسائل التواصل الاجتماعي والاعلام هي القيود الجديدة. يُستعبد الإنسان رقميًا عبر التتبع المستمر، وجمع البيانات، وصناعة التعلّق النفسي بمنصات التواصل. و الأسوأ أن الإنسان يظن نفسه حرًا، بينما هو يُستغَل في كل لحظة، عبر وقته، انتباهه، وخياراته التي تُوجَّه دون وعي. يفكك المجتمع ويزرع الفتن ويشيع الفاحشة و يقوض السلم و الأمن الأهلي تحت يافطة حرية الرأي.
إن اخطر ما يهدد وحدتنا اليوم ليس العبودية الجسدية ومخلفات الرق بحد ذاتها..... بل هو الانتقال من الاسوأ إلى ما هو اخطر منه ( العبودية الرقمية) اذ اصبحنا نعيش في غابة من التقنيات تتحكم في ما نقول وما نقرأ ونكتب، لاشك أن العبودية الجسدية منبوذة وباتت ترعب المجتمعات وتصرخ الحقوقيين والمدافعين عن حقوق الإنسان لكن في هذه الحالة اللانسانية فالشخص يعي ما يعاني منه ويتوق إلى التحرر من القيود و الخدمة من دون إرادة.
إن وجه الشبه والاختلاف في كلا النوعين من العبودية يسلبان حرية الإنسان، و يجعلانه وسيلة لتحقيق أهداف غيره و يتحول العبد إلى اداة والسيد إلى شبح لا يكاد يبين و جعل الناس كاسنان المشط ما بين الجاهل والمتعلم والأمي والمثقف والصالح والطافح وهناك يفقد الكيان الجمعوي توازنه وتبقي السيطرة ملقاة على الغارب مع اضعاف العلاقات الانسانية واشاعة خطابات الكراهية وانتشار ثقافة الابتزاز وفلسفة نشر الشائعات الكاذية والمعلومات المغلوطة و المضللة والتفاخر بالقبيلة والمكونة و الشريحة.... حتي في سن الطفولة المبكرة. و حينما كانت العبودية الجسدية تُمارَس بالقوة، فإن العبودية الرقمية تمارس بالإغراء والتطبيع والاعتياد ووعي الضحية هو الفارق الأخطر فالعبد الجسدي يعرف ظلمه ويسعي للتحرر منه، اما العبد الرقمي فيظمن انه يمارس حريته قولا وفعلا.
إن التحرر من العبودية الجسدية' يحتاج إلى ثورات و تضحيات جسام و سيفا احيانا. اما التحرر من العبودية الرقمية يتطلب ثقاقة و وعيا بالمسؤولية و وحدة وطنية داخلية تعيد الإنسان إلى رشده و السيطرة على عقله وانتقاء افكاره ورزانة خرجاته ومنطقيات تدويناته و عصامية في تصريحاته، وفي كلتا الحالتين العبودية ليست قدرا بل خيارا يجب مقاومته بوعي جمعوي و سلطة صارمة.
محمد ورزك محمود الرازكه
استاذ فلسفة وعلم الاجتماع
ثانوية الامتياز 2.
العبودية الرقمية. تشابه القيود واختلاف الوسيلة:
