ما الهوية الثقافية ؟
-1-
ما كان ينبغي أن تكون هوية الدولة الموريتانية ، أحرى هوية مكونات مجتمعها محل جدل و نقاش، لولا استعجال جيل المؤسسين لمشروع الدولة لإقامة كيان سياسي مستقل؛ لا شيء يدعم قيامه إلا إرادة سياسية تشبع بها الرئيس الأسبق ، المختار ولد داداه رحمه الله و أنصاره، مسنودة بعناد رجال الصحراء ... هذه العجلة لدى المؤسسين بقدرما أثارت من الإعجاب بحويتهم المتحدية لأقسى الظروف و أكثرها عدائية لمشروعهم " المجنون" ، فإنهم قد أسسوا هشاشة مستجمعة لكل عناصر الضعف و القلق و التفسخ التلقائي!
إن من أخطر عناصر الهشاشة أن مشروع الدولة قد بني على أساسات العاطفة الدينية ، التي لا يمكن لأحد في ذلك التاريخ أن يبدي حيالها أي تحفظ ، فأحرى الاعتراض عليها، برغم ما تنطوي عليه من تهافت. فالعاطفة الدينية لا تفصل على نحو مطلق في هوية الدولة و الشعوب : فالدين عقيدة تعبدية قد تشترك في الإيمان بها شعوب و أمم في جغرافيات متابعدة في أطراف العالم ، و في ذات الوقت لا يجمع بينها أي مشترك هوياتي، فمثلا، المسلمون في أنحاء العالم يشتركون في العقيدة الدينية و لكنهم يختلفون في ما يعني المحددات القومية : فما الذي يجمع ، بمعنى الهوية الثقافية، بين المسلمين الإغور ، في الصين، و المسلمين في دولة السينغال، أو بين المسلمين في أندنوسيا و المسلمين في موريتانيا؟ لا شيء رغم أنهم يشتركون في العقيدة الدينية ، فيعبدون إلها واحدا و يؤدون ذات الطقوس و الشعائر ؛ بل إن تأدية الشعائر التعبدية قد تنطبع بالطابع الثقافي لكل شعب! فالموريتانيون يعرفون أن الطريقة التي يؤدي بها الباكستانيون أو الأندنوسيون منسك الطواف بالكعبة المشرفة تختلف عن طريقة الموريتانيين... و هكذا بالنسبة لجميع الشعوب، تبعا لاختلاف الهويات الثقافية.
فما الهوية الثقافية في علم الأنتروبولوجيا، الذي يعنى بدراسة هذا الحقل المعرفي؟
( يتبع).
محمد الكوري ولد العربي