مستقبل الإخوان في موريتانيا في ظل المتغيرات الداخلية والدولية

بواسطة yahya

مستقبل الإخوان في موريتانيا في ظل المتغيرات الداخلية والدولية
بقلم:عبدالله ولد بونا /خبير استراتيجي
11دجمبر2025

تشهد جماعة الإخوان في موريتانيا مرحلة مفصلية، تتقاطع فيها الضغوط الدولية مع التحولات الداخلية، لتعيد رسم المشهد الذي طالما استندت إليه الجماعة في تمددها وتنظيمها.

وفي الوقت الذي تعيد الولايات المتحدة وبعض القوى الغربية النظر في تصنيف الجماعة وأذرعها، تظهر في الداخل الموريتاني مؤشرات متزايدة على انكشاف بنيتها الشبكية وارتباك استراتيجيتها التقليدية.

التصنيف الأميركي وتداعياته على موريتانيا

يشكل التطور الأميركي المتعلق بتشديد الرقابة على الجماعات المرتبطة بالإخوان نقطة تحول حساسة، خصوصًا في الدول التي تعتمد فيها الجماعة على شرعية سياسية أو شبكات مالية غير مباشرة.

وفي موريتانيا، ينعكس هذا التحول في صورة تراجع المساحات الرمادية التي تحركت فيها الجماعة لسنوات، سواء على مستوى التمويل أو النشاط المدني أو العلاقات العابرة للحدود.

انكشاف التنظيم الشبكي والاقتصاد الموازي

تُظهر التطورات الأخيرة أن جماعة الإخوان في موريتانيا ليست حزبًا سياسيًا فحسب، بل شبكة اقتصادية موازية تمتلك خطوط تمويل فعالة من رعاة خارجيين، وتعمل عبر واجهات خيرية وتعليمية وتجارية، في حالة توسع مستدام

هذا الانكشاف يجعل التنظيم أكثر عرضة للمساءلة، ويجعل الدولة أكثر وعيًا بحجم تأثيره في الاقتصاد غير الرسمي وتغلغله في قطاعات استراتيجية، واستغلاله لقطاعات غير مضنفة لجني المزيد من الأموال

التكتيك الداخلي: التشظي الموجّه

اعتمدت الجماعة خلال السنوات الماضية أسلوبًا معقدًا يقوم على توزيع عناصرها على عدة مواقع متناقضة ظاهريًا:

جزء يتخذ موقفًا معارضًا شرسًا.

جزء آخر يقترب من النظام ويدخل في خندق الدعم الموجه.

وهدف هذا التكتيك هو الحفاظ على النفوذ داخل جميع المساحات السياسية، وإرباك أدوات المراقبة، ومنح التنظيم القدرة على التأثير من مواقع متعددة.

التمدد الشبكي في الطلاب والمجتمع المدني  والعمال

رغم تراجع الخطاب الأيديولوجي التقليدي، ما تزال الجماعة تعتمد على آلية التغلغل الأفقي داخل

الاتحادات الطلابية

النقابات المهنية

الجمعيات المدنية
وهذه المساحات تمنحها قدرة هادئة على إعادة إنتاج كوادرها واستقطاب جيل جديد بعيدًا عن الأضواء.

استهداف النظام باسم “محاربة الفساد”

إن أحد أهم أدوات الجماعة مؤخرًا هو خطاب مكافحة الفساد الذي يُستخدم كأداة سياسية وليست إصلاحية.
هذا الخطاب يُوجَّه لثلاثة أهداف أساسية:

1. إضعاف الثقة في مؤسسات الدولة.

2. تأليب الرأي العام ضد النظام.

3. فتح مساحات جديدة لتصعيد خطاب معارض يبدو أخلاقيًا على السطح، لكنه سياسي في الجوهر.

إدخال الجيش والأمن في دائرة الاستهداف

بدأ نشاط إعلامي موجه يضع المؤسسات العسكرية والأمنية في دائرة الاستهداف الناعم، عبر

التشكيك في المهنية

اتهامات مبطنة بالهيمنة والفساد

محاولات خلق فجوة بين المواطن ومؤسسات الحماية السيادية.

وهذا التحول يعد خطًا أحمر في المعادلة الوطنية، ويكشف عن رغبة في إعادة هندسة الرأي العام ضد الركائز الأساسية للدولة.
وينتهج إخوان موريتانيا نفس الاستراتيجية ضد الدولة وضد الجيش والأمن ، فايرا وافلام يوزعون تهم القتل والإبادة لكل ضباط الجيش تقريبا ، والإخوان كذلك يوزعون تهم الفساد والاستبداد عليهم !

توزيع البيض في سلال اليسار واليمين والحركات الاحتجاجية المتطرفة

من أبرز ملامح المرحلة الحالية تفريق الإخوان قواهم بين تيارات متعارضة

علاقات مع اليسار الراديكالي والحركات الاحتجاجية المتطرفة ، وتبني نفس المواقف

وتنسيق مع أطراف يمينية مؤدلجة

وحضور في حركات اجتماعية ذات أجنحة متطرفة.

هذا الأسلوب يمنحهم قدرة على التأثير غير المباشر في الشارع، ويجعلهم قريبين من أي موجة احتجاجية أو سياسية مهما كان اتجاهها.

سيناريو الانفصام عن التنظيم العالمي

في ظل الضغوط الدولية المتصاعدة، خصوصًا مع تشدد الموقف الأميركي، يبدو خيار إعلان الانفصام عن التنظيم العالمي أحد السيناريوهات التي قد يلجأ إليها الإخوان في موريتانيا.

لكن هذا الانفصام—إن حدث—سيكون تكتيكًا لا تحوّلًا حقيقيًا، لأن البيعة العامة التي ترتبط بها الجماعة لا تُنقض ببيان سياسي أو مناورة براغماتية.

البنية الفكرية والتنظيمية للحركة أعمق من أن تُفكك بقرار محلي.

والارتباطات الخارجية تمثل شريانًا ماليًا واستراتيجيًا يصعب على التنظيم التخلي عنه.

وبالتالي فإن أي إعلان بالانفكاك سيكون في الغالب موقفًا دعائيًا هدفه امتصاص الضغط وليس إعادة تعريف الذات.

تحول التمويل من العلني إلى الشبكي السري

إذا اتجهت الجماعة إلى هذا السيناريو، فإن أول ما سيتغير هو خطوط التمويل.
فبدلًا من المؤسسات والواجهات التقليدية، ستلجأ  الجماعة للعمل  داخل شبكات مالية أكثر تعقيدًا.
ليستمر تحويل التدفقات إلى مسارات غير مباشرة عبر واجهات فردية أو شركات وسيطة تتخفى تحت عناوين مموهة،
لتعزيز نموذج اقتصاد الظل الذي برز واضحًا خلال السنوات الماضية.

لكن  هذا الخيار لن يمنح الجماعة نفس المساحة التي كانت تتمتع بها، لأن الرقابة الدولية أصبحت أكثر حساسية تجاه التمويل العابر للحدود.

والأجهزة الوطنية باتت تملك خبرة أكبر في تتبع الشبكات والواجهات.

والبنية المالية العالمية لا تسمح بتحركات غير مرئية كما كان يحدث قبل سنوات.

ضيق الدائرة على الإخوان

ما كان في السابق ظلاً محميًا للحركة أصبح اليوم منطقة رصد.

فالدوائر التي كانت بعيدة عن المتابعة—الجمعيات، المنظمات، الأنشطة غير الرسمية، الواجهات التجارية—أصبحت ضمن نطاق رقابة دولية نتيجة تصاعد مخاوف مرتبطة بالتمويل السياسي.

ورقابة داخلية بسبب تراكم الخبرة الأمنية والإدارية تجاه تكتيكات الجماعة.

وإذا قررت واشنطن الضغط من أجل شطب الإخوان وحزبهم من الواجهة السياسية، فلن يكون أمام النظام الموريتاني خيارات واسعة، لأن المصالح الحيوية مع واشنطن هي رافعة رئيسية للسياسة الخارجية والاقتصاد والأمن، وأي تجاهل للضغط الأميركي يضع موريتانيا في مساحة خطرة لا يمكن للنظام تحملها سياسيًا ولا استراتيجيًا.
مواجهة الحرب الناعمة للإخوان

الإخوان يمارسون اليوم واحدة من أكثر الحروب الناعمة تنظيمًا، عبر خطاب إعلامي مُصمم لإضعاف الثقة في الدولة واستهداف مؤسسات الجيش والأمن .
وتحريك واجهات طلابية ومهنية ومدنية لإرباك المشهد.

اللعب على وتر “محاربة الفساد” كغطاء لعملية هدم ممنهج للشرعية المؤسسية.

ولمواجهة هذه الحرب الناعمة، يحتاج النظام إلى تفعيل استراتيجية
لتحصين وعي المجتمع ضد أدوات التضليل.
وتعزيز الشفافية لقطع الطريق على أي خطاب دعائي.
ودعم المؤسسات الأمنية والقضائية لحماية الاستقرار.
وبناء جبهة وطنية واسعة تتقاطع عند حماية الدولة من الاختراقات المنظمة.
وإلى وعي كامل لما تريده هذه التنظيمات الشبكية ، من ردات فعل غير مدروسة على مايثيرون من ملفات.

إن مستقبل الإخوان في موريتانيا مرهون بثلاثة عوامل رئيسية هي

التحول الدولي الذي يضيّق الخناق على شبكاتهم العابرة للحدود.

والوعي المحلي المتزايد ببنيتهم الاقتصادية والتنظيمية.

وقدرة الدولة على تعزيز حضورها في المجتمع المدني وقطع مسارات التغلغل.

وفي ظل هذه العوامل، يبدو أن الجماعة تدخل مرحلة إعادة تموضع قسري، قد تقود إما إلى انكماش كبير، أو إلى محاولة تكتيكية لإعادة توزيع النفوذ عبر أساليب شبكية سرية، لكنها لن تتمكن من العودة إلى مساحة الحرية التي كانت تتحرك فيها سابقًا.