الحرية.. ذلك المفقود الموجود !!
من تعريف الأخلاق أنها جملة المبادئ و الصفات الراسخة في النفس البشرية التي توجه سلوك الأفراد لما هو خطأ و ما هو صواب... و هذه المخلوقات جميعا في هذا العالم تستحب أشياء على أشياء من موجوداته. من ذلك، استطابة مأكولات على أخرى.
اليوم و أنا وحدي، في المنزل، الذي خلا من أهله منذ شهرين، بداعي الراحة من عاصمة الذباب و البعوض و الحر و انقطاع الماء و الكهرباء ، لم يكن من حولي إلا عجوز من الفئران، أعتقد أنها بلغت سن اليأس، مع شبان و شابات من أبنائها و أسباطها و أحفادها يقفزون عن يميني و عن شمالي، و بينما كنت منزعجا من هذه الحركات المتدفقة في فضاء غير متسع، إذا بهرة تتسلل بلطف منقطع النظير من الباب المركزي للمنزل باتجاه غرفة المطبخ، حيث معقل عجوز الفئران و ذريتها، فسررت في نفسي فورا لأن ساعة التخلص من " المؤنسين" المزعجين قد جاءت؛ لكن سرعان ما قفز لذهني شعور بالذنب إذا أنا تواطأت مع الهرة لقتل بعض هذه المخلوقات الضعيفة و المسالمة! حبست التفكير مليا في الموضوع: هل الأخلاق في ترك الهرة تنال ، و لو لهذا اليوم فقط، غذاءها المفضل في هذا العالم .. أم أن الأخلاق في منعها و منح بعض تلك الفئران فرصة النجاة من موت محقق، خاصة أن الهرة ليست محبوسة عن خشاش أرض الله الواسعة ؛ و أن أغطية مجاري المنازل مليئة بالأطعمة الفاسدة ! فلماذا تطلب غذاءها في بيتي بقتل آمنين في حرمتي! و لما ذا كتب علي، من منظور أخلاقي، أن أحمي مخلوقات لا تحترمني و لا تمنحني قسطا من الراحة في أخص مكان عندي؟! ثم هل من الأخلاق أن أمنع الهرة من الدخول إلى منزلي الذي عجزت عن منع الفئران عن العبث بمحتوياته و اللعب فيه لإزعاجي... لماذا أمنع الهرة وحدها و لم أمنع الفئران؟! و هل أنا حر في السماح للهرة بافتراس الفئران في بيتي أم أنا حر فقط في منعها من طبقها اللذيذ في بيتي...؟!!
الحرية ، ذلك المفقود الموجود !!
محمد الكوري العربي




