الرئاسة ليست مكافأة نها ية خدمة ولا جائزة لتلميع السيارة الذانية

بواسطة yahya

الرئاسة ليست مكافأة نهاية خدمة ولا جائزة لتلميع السيرة الذاتية

بقلم: عبد الله بونا / نخبة موريتانيا

13شتمبر 2025

تتوالى في موريتانيا، منذ أشهر، حملات إعلامية وسياسية مبكرة؛ يعلن عبرها بعض الفاشلين سياسيا أن كرسي الرئاسة عام 2029 لهم حصريا ، أو تسعى تلك الحملات  إلى تلميع أسماء وزراء ومسؤولين سابقين أو حاليين ،  عُرفوا بفشلهم المزمن في إدارة الملفات التي كُلفوا بها، وكأن الرئاسة جائزة ترضية أو مكافأة نهاية خدمة، أو مجرد بند إضافي في السيرة الذاتية.

أوكأنها لعبة تقاسم حصص نفوذ في لوائح المرشحين للتعيين عبر بيانات ومراسيم ومقررات مجلس الوزراء وجهاز إدارة الدولة

هذا السلوك، الذي تقوده مجموعات سياسية في حالة من "الزهايمر السياسي"، يتناقض مع أبسط قواعد الانتماء الحزبي والذكاء الاستراتيجي، والوعي الديمقراطي .

فقرار اختيار مرشح رئاسي لخلافة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ليس قراراً شعبوياً ولا لعبة إعلامية، ولا دعاية فارغة ، وإنما عملية مؤسسية يفترض أن تتم داخل القنوات المخولة لذلك، وفق تشاور واسع وتقدير عميق لمتطلبات المرحلة المقبلة.

سوء أدب سياسي واستباق أجوف

ما يجري اليوم هو نوع من سوء الأدب السياسي، إذ يُراد فرض أسماء بعينها على المشهد الوطني قبل أوانها، وكأن المستقبل قد حُسم، في حين أن الاستحقاق الرئاسي الحقيقي لا يزال بعيداً (2029)، والسياسة بطبيعتها متغيرة المعطيات ، وقد تجري مياهها في اتجاهات مختلفة تماماً.

بل إن احتمال استمرار الرئيس ولد الغزواني في دورة دستورية ثالثة يبقى مطروحاً، بحكم وزنه الشخصي وأدائه المتوازن ،  وتماسك تحالفاته ونجاحه في تثبيت الاستقرار في مرحلة معقدة .

والحوار السياسي لم تدر عجلته بعد ، وقد يؤسس لمتغيرات وطنية كبرى ، تراعي حساسية المرحلة ، والحاجة لاستقرار سياسي يضمن استمرار خطط نهضة موريتانيا الاقتصادية وتحصينها من الموجات الارتدادية الإقليمية والعالمية ،  فالديمقراطية عملية وعي تراكمي وممارسة  في كل بلد ، ومن السطحية  اعتقاد أن الديمقراطيات الوليدة ملزمة أن تكون نسخة طبق الأصل من أخرى راكمت عقودا طويلة من التجارب لتكون كماهي اليوم ، كالديمقراطية في آمريكا وأوروبا.

موريتانيا تحتاج مزيدا من تطوير ديمقراطيتها لتصل مرحلة التمكين. وتبقى أولويات البلد الكبرى أهم من الديمقراطية ذاتها.

تجربة الفشل ليست شهادة خبرة

الأخطر من ذلك، أن بعض الأسماء التي يجري ترويجها اليوم سبق أن اختُبرت  لعقود طويلة في قيادة قطاعات  حيوية ، وفشلت في تطويرها وتسيير ها فشلا ذريعا ، كما أنها خدمت مع أغلب الرؤساء السابقين وأعيد تدويرها في مامضى من حقبة الرئيس غزواني ، وظلت تدور في نفس دوامة الأداء القاصر ، والشخصيات التي تحاول تلميعها ، لا تختلف معها في نفس مستوى قصور الأداء  القطاعي  ، كما  خسرت تجربة    طموحها بكرسي الحكم في انتخابات رئاسية سابقة، فكانت خيبتها مدوية  في إقناع الشعب الموريتاني بجدارتها بمركز صانع القرار.

فكيف يُراد إعادة تدويرها وكأنها الحل السحري للمرحلة؟ وكأن من يرشحها هو المرجع الأعلى في ذلك ؟

إن التجربة السياسية تقول بوضوح أن من فشل بالأمس لا يمكن أن ينجح غداً، إلا إذا تغيّرت معايير الحكم جذرياً،  وهو ما لم يحدث.

الاستحقاق يحتاج تشاوراً ورؤية أوسع

إذا افترضنا – نظرياً – أن استحقاق 2029 سيكون من دون الرئيس غزواني، فإن اختيار خليفته لا يمكن أن يكون بترشيحات فردية أو حسابات شخصية ضيقة ، تخفي هوسا لونيا ، يجتاح الساحة الوطنية حاليا.

بل يتطلب الأمر  تشاوراً أوسع داخل التحالف الحاكم، ورؤية أذكى تستوعب التحديات الإقليمية والاقتصادية المقبلة، وتبحث عن شخصية قادرة على إدارة الدولة بفاعلية وكفاءة، لا شخصية غارقة في السلبية منذ عقود

الرؤساء لا يصنعون ، بل هم من يصنع لحظة تصدر المشهد بجدارة ، فالقيادة ملكة تشحذ بالخبرة والتجربة والأداء الريادي ، لا بحملات ممجوجة ، كالتي تتسلق هوامش الإعلام اليوم.

كيف يشهد من لم تطلب شهادته ؟ وكيف يزكي من لم تشترط تزكيته؟ أم أنه لافرق يذكر بين مرضى الزهايمر السياسي ومرضى الزهايمر اللوني فكلاهما يتحدث كخريج مدارس الابتزاز السياسي التي تجاوزت كل الخطوط الحمراء.
وكأن ملف الاستحقاق الرئاسي سيمون نسخة من "التمييز الإيجابي" لدى التآزر أو مفوضية الأمن الغذائي !

لايهمنا  لون الرئيس القادم ولا عرقه ولا جهته المهم أن يكون رئيسا حقيقيا للجمهورية ويحترم دستورها وقوانينها وثقافة المواطنة ، حكما بين الجميع ، خال ملفه من الفساد السياسي والفكري والإداري ، لديه براءة ذمة من الفشل والفساد والعمالة  لأعداء الدولة الوطنية الموريتانية.

قادر على تحقيق مطالب وطموح الشعب الموريتاني .

يدرك أن ثوابت الهوية الوطنية لا تطرح للنقاش وأن موريتانيا يجب أن تكون كما يجب أن تكون  ، دولة مواطنة وريادة إقليمية وقارية وعالمية.

الرئاسة ليست مكافأة نهاية خدمة تُمنح لموظف عمومي، ولا جائزة ترضية لتلميع السيرة الذاتية  لشخصيات استنفدت رصيدها، ولا مجال محاصصة لونية أو عرقية أو جهوية ،  إنها موقع سيادي يفترض أن يحجزه  الأقدر على قيادة دولة تواجه تحديات داخلية وخارجية جسيمة.

ولذلك فإن أي محاولة لتسويق  مرشح غارق في سجل فشله،  هي ببساطة إساءة للمشهد السياسي، واستخفاف بالشعب، ومقامرة بمستقبل الدولة.

ولو كان هذا الدفق من الاستشارات السياسية يجدي لكانت جدواه  برزت في حقب سابقة.

فأغلب من "ينظر" للموريتانيين فيمن يجب أن يخلف الرئيس غزواني ، هو من كان ينظر لرؤساء سابقين وحكومات ؛ شطبت  صفحاتها.

وليس لدى الموريتانيين وقت يضيع من جديد في ترهات الماضي البائس.

الرئيس  ولد الغزواني يعي تماما حجم الأمانة التي يتحمل اتجاه البلد والأمة ، ويعرف جيدا  مدى مسؤوليته عن البلد في اليوم الأول بعد خروجه من السلطة؛ وهو بالتأكيد لا يهتم بهذا الصخب السياسي العبثي ؛ والذي لابد أن يوضع له حد قبل فوات الأوان.

الشاعر  الكبير والقومي العربي لأصيل عبدالله بونا