العاشر من يوليو بين تقييمين.
التقييم الأول يجعل الانقلاب ضرورة لإنقاذ البلاد من الانهيار الشامل بل التلاشي... و التقويم الثاني يعتبره مصيبة نقلت البلاد من وضعية مثالية على جميع المستويات إلى وضعية الكارثة المستمرة. و السبب في التعارض الجذري بين التقويمين هو التحيز المفرط غير الموضوعي بل المستتر خلف اعتبارات قرابة نسبية أو جهوية للمنقلبين أو للمنقلب عليهم... فأنصار الانقلاب لا يرون في نظام ولد داداه إلا ما ورد من عيوب في نص البيان الأول للانقلابيين، و أنصار نظام ولد داداه ينظرون للانقلابيين بعيوب الأنظمة العسكرية منذ عهد ولد هيداله و ولد الطايع و ولد عبد العزيز ، وصولا لعيوب نظام ولد الغزواني! فالتحيز باتجاهين متعاكسين اغتال حقيقة نظام ولد داداه و شوه نية الانقلابيين في مشروعهما... فالانقلابيون تعهدوا بالديموقراطية و لم يأتوا بها، لكنهم لم ينقلبوا على نظام ديموقراطي حتى نبكي على الديموقراطية المنقلب عليها، و نظام المرحوم ولد داداه لم يكن شرسا لكنه لم يكن نظاما رحيما في مواجهة خصومه( مجموعة ولد حرمه و ولد عمير و الكادحين) ... و الانقلابيون لم يأتوا بالتنمية لكنهم لم ينقلبوا على نظام وفرة و رفاهية... و الانقلابيون ، أقصد أصحاب العاشر يوليو، لم يستجلبوا للشعب الموريتاني الاستثمارات، لكنهم لم يختلسوا أوقية من خزينة البلاد... و الرئيس المرحوم لم يأت للسلطة تحت جنح الظلام لكنه لم يأت بانتخابات ديموقراطية نزيهة، و لم يكن سنده في الوصول للسلطة قوة ثورية وطنية، و إنما الدولة الكولونيالية هي من اختارته على نخبة البلد التي كانت تقاومها... . و أصحاب العاشر يولويو، ليس منهم ولد عبد العزيز و لا ولد الغزواني: إنهم المصطفى ولد محمد السالك، و جدو ولد السالك، و محمد محمود ولد أحمد لولي و محمد خونه ولد هيداله و معاوية ولد سيدي أحمد للطايع... و أي من هؤلاء القادة سرق مقدرات الموريتانيين؟! فالخلط، المقصود أحيانا و غير الواعي أحيانا، بين فساد النظام منذ ولد الطايع، ليس كشخص، و إنما كحكومة و بعض الأقارب و المتزلفين من شتى الأوساط، و فساد الأنظمة اللاحقة ، يساوي الخلط بين مجىء المرحوم ولد داداه عن طريق السلطة الكولونيالية الفرنسية و بين السيرة الوطنية و النظيفة لهذا الرجل و نهجه الحذر المتدرج في ظل اختلال مميت لميزان القوة لصالح الاستعمار الذي ما زال، يومذاك، أقرب من حبل الوريد!،
يجب أن يجري تقويم التجربتين دون تحيز غير موضوعي و برؤية وطنية شاملة، لا تخوينية لأصحاب العاشر يوليو، و لا تحاملية على الرئيس المرحوم المختار ولد داداه...
محمد الكوري ولد العربي