الموريتانيون عرفوا النضال و لغته الراقية منذ تأسيس الدولة !!
معارضة الحكومات الموريتانية و الوقوف في وجه فسادها و انتقاد سياساتها و كشف أبعاد فشلها ليس أمرا جديدا ، فيعود لتأسيس الدولة ، مع تيارات و حركات سياسية اندمجت فيها جميع مكونات الشعب الموريتاني و اختلطت فيها ألوان طيفها كافة، سودا و بيضا، و من كل جهاتها، و ذاق المناضلون في تلك الحراكات صنوف التنكيل و التعذيب الجسدي و المعنوي، كمااجتازوا، بسبب أفكارهم و التسمسك بمواقفهم، صحاري التجويع و التهميش و الحرمان في غياب أي تعاطف دولي أو تغطية إعلامية أو مداراة بالأموال و العقارات... و إنما كانت لغة الأنظمة ، و إن بدرجات مختلفة مع تلك الحركات : الكربجات و تعليق المعتقلين من أقدامهم و ضربهم ضربا لا شفقة فيه على مناطق الجسم كلها، و سكب الآسيد عليها و شي بعض أطرافها بجمر الخشب، وصولا لقتل بعضهم تحت التعذيب ... فاقرأوا كتاب : "في ضيافة ملائكة العذاب" و اسألوا الجلادين في العهود السابقة على نضالكم لتقفوا على بعض صنوف حسن الحفاوة و لذيذ القرى !
و بالرغم مما لاقاه أولئك المناضلون من ألم خلال تصديهم، عبر عقود، لفساد الحكومات و ممارساتها المشينة و سلوكهم الاستبدادي العنيف، فإن المناضلين السياسيين الموريتانيين بقوا على رقي كامل في أدبياتهم السياسية و لغتهم في التواصل مع الجماهير و تعبئتها ضد السلط و أزلامها... فلم يهبطوا إلى درك الوقاحة في استخدام الألفاظ (المفرقة للجماعة مختلفة الأعمار) ، و لم يستهدفوا بهذه الألفاظ مكونا شعبيا بذاته، كما لم يتبذلوا في توجيه الخطاب باسم مكونة ضد مكونة، أو باسم لون ضد لون ... أو بإسقاط أسماء حشرات أو صفات حيوانات على الأشخاص، حتى لو كانوا أولئك الجلادين، الذين تنصلوا من إنسانيتهم و تصرفوا مع المعتقلين بوحشية تخجل منها الضباع الجائعة !
ملخص القول إن الموريتانيين ليسوا فقراء في النضال و لا في تاريخ النضال و لا في سمو القضايا العادلة لنضالهم، و لا في حجم التضحيات في سبيل النضال، و لا في اللغة الراقية و الأساليب المدنية مع شراسة المواجهة للأنظمة... و من يرغب، اليوم، في كسب الشارع الموريتاني لصفه، بمكونات شعبه كافة، فعليه باستعادة لغة الأدب السياسي الحضاري القديم للمناضلين الموريتانيين من تلك الحركات الجامعة الراقية ... و يجب القيام بنقد ذاتي للغته الهابطة و أساليبه التفريقية بين مكونات الشعب على أساس الألوان و الإثنيات و الجهات... فلا معنى لمن يتكلم باسم "لحراطين"، تمييزا، أو باسم "البيظان" أو باسم "السود الموريتانيين" أن ينجح في إقناع الشعب الموريتاني بنبل نضاله أو بوطنيته... و هو الذي يدفع هذا الشعب يوما بعد يوم إلى الكراهية و التدابر و التباغض على خلفية اللون الأسود و الأبيض!
أن من ينقذ الحكومات و الفاسدين معها من جهود كشف الفساد هم أولئك الذين خلقوا، تعويقا لجهود تسوية المهاجرين، بيئة الحرب الأهلية العنصرية، باسم "السود الموريتانيين" و دعوا لتطهير بعض مناطق الوطن من مكونة بذاتها، بعنوان تحريرها، ...و هم الذين وقفوا دون التسوية القانونية لطوفان المهاجرين غير القانونيين في البلاد، بخلاف كل الشعوب و النخب الوطنية في العالم، بحيث دفعوا الشعب إلى مراجعة أولوياته في النضال... فسكت، مؤقتا و مضطرا، على خسارة الأموال التي يسرقها الفاسدون في الحكومة للتصدي لمن يريدون سرقة الوطن برمته ،لصالح سيول الهجرة السرية، بتجنيس المهاجرين السريين فيه! فالأموال تعوض و الوطن لا يعوض!
ألم يكن الجميع، يوميا ، يتصدى للحكومة و فسادها و يكشف ممارساتها؟ و هل كان من بين الموريتانيين ، خارج حفنة المنتفعين من السلطة، من يدافع عن الفساد أو يتبناه؟ و هل كان هناك ، من بين الموريتانيين، من يدافع عن النظام الحاكم باسم اللون الأبيض أو يعارض منتقديه بسبب اللون الأسود؟
هناك من يسعى لخلط الأوراق من خلال تلبيس عنصريته بلبوس النضال الوطني ضد الفساد... و هذا سعي تفضحه كل يوم لغة أصحابه! فما علاقة مكافحة الفساد ب" السلطة " تستهدف السود، تستهدف الفلان و السونكى و الولف... لتصل إلى تهجيرنا نخن لحراطين! أي هراء، هذا؟!
يجب توقف رزنامة اللغة العنصرية و الفئوية : لحراطين، لبيظن، السود الموريتانيون، ... و يجب تنظيف الخطاب السياسي من متفجرات العنصرية اللغوية.... و يجب وصل محطات تاريخ النضال الوطني، ببعضها بعض، و استحضار النضال النبيل الذي يسع الجميع و يحقق النفع للجميع... ، فغبي من يتصور إمكانية شطب منجزات الحركة الوطنية، بكل عناوينهاالسياسية و معاناتها و آلامها، من التاريخ، و اعتبار التاريخ لم يبدأ إلا بعد ميلاده ، هو، السياسي، بعد الحملة الرئاسية ،2007، و أغبى من ذلك، في صف الحكومة و صف اللونيين، من يتخيل إمكانية الاستغناء عن السياسيين الموريتانيين، و تعويضهم بالهواة و المتطفلين و الانتفاعيين من ريع السلطة أو من ريع خطاب العنصرية
محمد الكوري العربي