هكذا جنيتم على أنفسكم و على المجتمع !!
● كل ما نعيشه من تشظي اجتماعي و تفسخ أخلاقي كان ثمرة طبيعية لعاملين :فساد النخبة السياسية، من جهة، التي حولت الأحزاب إلى " حوانيت" و " برص" مع كل انتخابات، و من جهة أخرى، تتفيه النظامين الأخيرين لكل شيء في حياة الموريتانيين. فأوقفوا التجارة بالسياسة و التفاهة في تسيير الشأن العام للدولة...؛إذ لا معنى لمستقبل دولة أحزابها السياسية تمنح الفرصة للغوغاء و الأميين إلى قبة سلطة التشريع و الرقابة، فقط لتحسبها الجفلى من الأحزاب الممثلة في البرلمان.. و أي برلمان ! كما لا مستقبل لدولة سلطتها تعين في المناصب الحساسة على أساس التنافس الولائي بأحط أساليب النفاق السياسي! و هكذا بهذه الطريقة نحصد التفاهة في كل شيء : في الحياة الحزبية، في المداولات البرلمانية، في مستوى التشريع، في مستوى الرقابة، في مستوى أداء الحكومة ، في مستوى الحوارات، في مستويات التعيين، في مستوى الإعلام، في مستوى التواصل الاجتماعي ...! هذه بيئة أنتم من خلقها. فهل يعقل أن يحترم شخص (ما) حكومة أو رموزا يشاهدهم يدوسون على القانون في تعييناتهم في مواقع الدولة على أساس النفاق! أو يعقل احترامه لرموز يمنحون صفقات الدولة على أساس المصاهرة و القرابة! أيعقل أن يحترم شخص هؤلاء الذين ينظمون مسابقات الدولة على المقاس ليشرعنوا إقصاء الضعفاء و توظيف أبنائهم، أبناء إخوتهم، أبناء أخواتهم... أقاربهم، أصدقائهم! أيعقل احترام رموز يعينون أشخاصا ،في مواقع أشهى، تمت إقالتهم منذ وقت قريب بسبب عدم الأمانة في مسؤولياتهم السابقة؟ أفيعقل... و أيعقل...
● نحن اليوم ، بكل أسف، في دولة لا يجد فيها أي مواطن عناية إلا إذا كان منحدرا من( تراجمة ) المستعمر الفرنسي ، أو منحدرا من عائلات " مخزنية" أو ابنا لصاحب رتبة رفيعة، حاليا، في سلك إحدى المؤسستين العسكرية و الأمنية، أو متوسطا بنفوذ رجل أعمال بنى ثروته من تفشي الفساد في الدولة! أو شخص وضيع ينشر مخزونه من الألفاظ البذيئة و العبارات الجارحة بهدف ابتزاز السلطة التي اتخذت نهجا غريبا يعتمد شراء إسكات أصحاب الألسنة الحداد، واحدا بعد الآخر، بالتعيين و التوظيف، و قيل بالرزم المالية... فيما تهمل الدولة و تستهين بالذين يتقيدون بالقيم و تمنعهم مؤهلاتهم العلمية و حصانتهم الأخلاقية من التوسل بفاحش القول!
● نحن اليوم في دولة يموت فيها المواطن على أبواب المستشفيات و المستوصفات ما لم يكن في استقباله طبيب من فخذه أو قبيلته أو جهته أو شريحته ... أو طبيب صديق لقريبه... فحيثما يممنا فإن الإهمال و الازدراء ينتظران المواطنين العاديين في دولتنا ما لم تحالفهم قوى المحسوبية و الزبونية في هذا المرفق، أو ذاك!!
ما ذا تريدون ؟ هل تتوقعون أن يسير المجتمع بأخلاقه السامية و قيمه النموذجية بالتوازي مع الانهيار المريع و المتسارع للقيم على كل المستويات الرسمية للدولة! هذا واقع أليم ... و كل واحد من ضحاياه سيعبر عن ألمه بأسلوبه، بمستوى أهليته العلمية و الاجتماعية... و باستمرار هذا الواقع سيكون التعبير بالانفجار و ليس بالكلمات على فداحة شحناتها في البذاءة و القدح و التجريح...
● راجعوا أسلوبكم في تسيير الدولة و الاطمئنان بالفساد و النهب المؤسس على مرآى و مسمع من جميع المواطنين... فالاستحواذ على كل شيء فيها أصبح خطرا عليكم كأشخاص و على الدولة ككيان سياسي و على المجتمع كمنظومة قيم و عيش مشترك... و عندما تحترمون القانون و قيمة العدل بين الناس، سيحترمكم الناس و يتمتعون باحترامكم!
● نعم.. لا بد من رفض و إدانة البذاءة اللفظية و لا بد من احترام حرمة الأشخاص، جميعا، في مقدمتهم أولئك الذين يمثلون رمزية الدولة التي هي للجميع و ليست لثلة بعينها ... ثم لا دوام لاحترام أي شخص إلا بتحليه، هو نفسه، بروح المسؤولية و العدل و الشجاعة في إنفاذ القانون على الجميع... إذ لا تقيد بالقانون مع استمرار الفساد و الانتقائية في تطبيق القانون. فلو أن الذين يمسكون بالسلطة نفذوا و لو مرة واحدة القانون في فاسد واحد أو فاسدين ... لما تجرأت ( فلانة) و لا " تجعّر" ( فلان) على التلفظ بتلك العبارات الساقطة! و لكانت رهبة القانون تسكن قلوب الجميع... أما مواصلة نهج الفساد و الدوس على القانون هنا... و التلويح به، و بأيدي مرتعشة أيضا، ضد آخرين هناك( خارج نادي الفاسدين) فهو ما ولد هذا الوضع البائس... و ما سمعتم بالأمس مجرد قطرات الندى!
هكذا جنيتم على انفسكم وعلى المجتمع !!
