الدروس والفوائد ...في استشهاد القائد

بواسطة yahya

الدروس الفوائد .... في استشهاد القائد                                        
الدرس الثاني (  السمو الروحي  )
       
جومرد حقي إسماعيل

السمو هو الرقي والعلو  , والسمو من السما ، فيه هيبة وتجليات روحيه عظيمة ، والسماوات من السما ، فقال العارفون أنك إذا كنت في خلوتك وأرت أن تتدبر في خلق الله تعالى فانظر إلى السماء ، ولم يقولوا لك فانظر إلى الأرض ، مع إن الأرض مخلوق حالها حال السماء وفيها من الآيات ما لا يعد ولا يحصى ، لكن النظر في السماء غير النظر في الأرض ، نعم ، السمو تعب ومشقة لا يبلغه إلا أصحاب الكمالات الإنسانية والترقيات الروحية ، حيث يبلغه بالمقام وليس بالنظر المجرد ، ولذلك تجد أن الإنسان في طبيعته ناظر إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء ، ثم أن الله تعالى حاضر ناظر في كل مكان ، يعلم السر والنجوى ، لكن من فطرة الإنسان أنه إذا دعا الله تعالى نظر إلى السماء ، ذلك لعلو المعنى الإلهي وسموه ، وفيه تجد أن رجال الله تعالى المشتغلين في التقرب إلى الله تعالى موصوفون بالتجليات الروحية المتحققة كنتيجة طبيعية لسموهم الروحي ، فيوصفون بالربانية ، والسمو الروحي لا يتحقق مع حال التشبث بماديات الحياة وكل معانيها الفانية ،  فالجسد يُبلى والروح تبقى ، والسمو الروحي لا يتحقق بالجلوس والإدبار ، بل بالجهاد والأذكار ، والسالك في الترقيات الروحية لا تروق عنده الدنيا مهما بلغت حلاوتها لأنه قد تذوق حلاوة ما عند الله وهي خير وأبقى { وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ  } .
لو أننا تدبرنا الحال الذي كان عليه قائدنا المجاهد الشهيد ، صدام حسين المجيد ، وكيف أنه واجه لحظات وداعه للحياة الدنيا وهو مقبلاً على مقام الشهادة ، وجدناه ، ما كان مهتماً بأن هناك دنيا سوف يغادرها ، ورأيناه كيف كان يستمع لأولئك المجرمون وهم يبينون له كيفية إنجاز ما يسمونه إعداماً ، وكان هو يستمع إلى تلك الترتيبات التي يراها حياة له وترتيبات بلوغ مقام الشهادة التي بشره الله تعالى بها ، البشرى التي كانت معالمها مرسومة على محياه الشريف .
إن الحال الذي كان عليه القائد المجاهد ، يفيد بأنه قد بلغ مراق متقدمة في سموه الروحي ، حتى بلغ أنه لا يلتفت إلى الدنيا قيد شعرة عندما وقف شامخاً كما عهدناه ليحيا هو في ميلاد جديد له يضاف إلى موالده فينا حيث كان صدام يولد فينا مع كل إنجاز ووقفة ربانية يبعث بها الحياة في هذه الأمّة التي كان يحيا بحياتها ، ويحيا بحياة الوطن ، ويحيا بحياة الشعب ، وكان يحيا بحياة البعث العظيم ، كان يحيا في كل ذلك حياة الروح والعشق الجوهري ، وأفنى نفسه في محبة الله خالق كل شيء ، ومحبة رسوله الكريم صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم الحبيب المحبوب ، فأحب أمته ووطنه وشعبه وحزبه في الله وبالله ولله ، فكان لا يخشى إلا الله تعالى ، وجاهد من أجل أحبابه في الله ملئ حياته ، حتى أتاه اليقين من ربه .
ومن علامات سموه الروحي ، قُدِّس سره العظيم ، تلك النفوس التي هوت إليه بالتعظيم والتمجيد وهي ترى فريد عصره يقف متحدياً تلك الثلة الكفرية ، فيحيا هو ويموت الكفر من غيظه ، فكان في وقفته أمّة بكاملها وكان عراقاً بكل ما أنعم الله تعالى على العراق من معاني القوة والثبات الأسطوري ، ليعطي جماهير أمّته التي قضى حياته في خدمة أهدافها وطموحاتها ، ليعطيها ذوقاً روحياً متميزاً ، ويعطينا درساً بأن الشره المادي لا يحقق أهداف هذه الأمّة وتطلعاتها ، وإن التشبث بدولارات أميركا خسارة الحياتين ، فأميركا تزول ودولاراتها ، والأمّة تبقى لأنها حيّة بكينونتها ، حيّة برسالاتها ، حيّة برجالها ، حيّة بخيريتها ، ويفهمنا القائد الحبيب ، بأن السمو الروحي وحده كفيل لبلوغ مرام الأمّة في الرقي والانتصار ، وكأن لسان حاله يقول ( يا جماهير أمتنا العربية المجيدة ، كونوا مشاريع استشهاد وفداء لهذه الأمّة إن كانت لها وقع في قلوبكم وضمائركم ، يا جماهير الأمّة ، ما كنت رئيساً للعراق وقائداً في هذه الأمّة إلا لأكون متقدماً طلائعها في التضحية من أجلها وكرامتها ، إنها الأمّة المحمديّة ، أمّة الروح والمنهج القويم ) .
إن الحضور الروحي سابق للحضور الجسدي في ساحات القتال وشرط له ، لأنه ليس من الطبيعي أن تجد خائفاً يدخل ساحة القتال ، ولا نجد قابضاً على دنياه مقاتلاً لعدوه ، وأن الداخلون في قمة معاني الشرف وساحته هم الذاكرون لله كثيراً والذاكرات ، وأن المتراجعون عن معاني السمو والترقي هم الغافلون عن ذكر الله تعالى والمعرضون عنه { وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى } .
والمتتبع لسيرة قائدنا المجاهد الشهيد ، يجده حافظاً لحدود الله وحرماته ، حافظاً لحرمات دينه ونبيه الكريم صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم ، حافظاً لكتابه ، متزوداً بالتقوى ، سلاحه الإيمان وقوة الله تعالى ، وهذا بلوغ يقيني لا يكون إلا مع أهل السمو الروحي الذي به يزداد خوفهم من الله ورجائهم به ، ولا يكترثون بالطغيان الكفري الأمريكي وجبروته ، فيرجون رضا الله تعالى ونعيمه ، وغيرهم يرجوا رضا أمريكا وزخرف ولاياتها ، فيكون السالك في السمو الروحي متول لله ، ويكون غيره متول لنفسه الأمارة المتجهة إلى التدني والانحطاط ، أو يكون غيره متول لشيطانهم الأكبر ، الله مولى المجاهدين بأنفسهم وأموالهم ولسانهم ، أهل الروح ، وأما الكافرين والمنافقين ، أهل الهوى ، فلا مولى لهم .
الناظر بتدبر في وجه قائدنا المجاهد في لحظات الشهادة ، لا يرى أثراً مادياً على وجهه ، بل نوراً سبحانياً عظيماً ، لا يرى روحاً زهقت ، بل روحاً حلقت وعلت في عليين ، عند مليك مقتدر ، مع النبيين والصديقين والشهداء ، ومن منا لا يعرف صدام حسين ، بطل مقدام ، حاضر في الخطوط الأمامية في القتال ، ومتقدم الشعب في البناء ، وقد منّ الله تعالى عليه بمحبة جماهير الأمّة له ، في أروع تواصل روحي بين قائد وجماهير أمّته التي أحببها وناضل من أجلها ، ثم يتقدم المجاهدين ويكون روحاً غنية فيهم ، ويستقبل الأسر والشهادة ، شهادته وشهادة فلذات كبده ، بالفرح واليقين ، باليقين ، بأن هذه الأمّة لا ينقطع فيها الروح ، فأعطاها دروساً في السمو والترقي الروحي ، يوم قال وهو يستقبل قرار أهل الكفر والنفاق بما يسمونه ( إعداماً ) ، فيقول : ( نحن أهلها ) ، نعم  ، يقول لنا : من آمن بالله ربّا وبالإسلام ديناً وبرسول الله صلّى الله تعالى عليه وعلى آله وسلّم نبيّا ، وقبل صدام حسين قائداً له ، فليكن أهلاً للشهادة ، لأن الشهادة لا ينالها إلا رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، وفي زماننا هذا ، فإن الشهادة يتسابق إليها كل من حمل المعنى الصدامي في قلبه ، المعنى الصدامي في الجهاد والثبات واستقبال الشهادة بالبشرى ونبذ الحياة الدنيا إذا لم يكن فيها عمل في سبيل الله تعالى ، هذا هو القائد المجاهد الشهيد ، يفيض على أمّته بالدروس حتى وقد لف حبل الخلود على رقبته ، بسم الله الرحمن الرحيم { الَّذِينَ قَالُوا رَّبُّنا اللهُ ثُمَّ استَقَامُوا ، تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أن لَا تَخَافُوا وَلَا تَحزَنُوا وَأبشِروا بِالجَنَّةِ الَّتي كُنتُم تُوعَدُونَ } ، والله أكبر وليَخسأ الخاسِئونَ .