أنا سعيد في موريتانيا :من صفحة الد كتور محمد السالك ولد ابراهيم

بواسطة yahya

"أنا سعيد في موريتانيا"..
شهادة أخرى يكشف عنها إرشيف الأستاذ جمال. 
هذه المرة لضابط فرنسي كان من بين الغزاة الذين  جاءوا لاستعمار هذه الأرض الصحراوية، ولكنهم ما لبثوا أن وقعوا أسرى لهواها وجاذبيتها وسحرها الدفين..

إنها رسالة خطية من الإرشيف، أرسلها ضابط استعماري فرنسي في خريف سنة 1922، لأحدهم، متحدثا  بتأثر بالغ عن إقامته مؤخرا في "بور إتيان" أو انواذيبو كما كانت تسمى في الفترة الاستعمارية.

ويعرب هذا الفرنسي في رسالته، عن تعلقه الشديد وغير المتوقع بهذه الصحراء، مشيداً باعتدال مناخها وهدوء الحياة البدوية التي عاشها فيها لفترة وجيزة، ومقارنا بينها وبين مقر إقامته الدائمة في دكار، حيث يبدي تبرمه في تلك المدينة الكبيرة المتحضرة- التي كانت في ذلك الوقت عاصمة  إقليم غرب افريقيا الفرنسية- من "الرطوبة الخانقة والإرهاق والمناسبات الاجتماعية التي لا طعم لها"؛ قائلا لمخاطبه "أنا سعيد في موريتانيا"، ومعترفاً له بأن أحكامه المسبقة حول الصحراء، قد تحطمت في هذه الأرض القاحلة والهادئة في آن واحد. بل، وكيف أنه أصبح يعتزم العودة إلى "أطار".

إنها نفس الدهشة والتعلق الحميمي بالصحراء، والشعور بضرورة إعادة التقييم الداخلي في حضرتها. هذا الموقف الذي سبق أن أسميته في مقال سابق لي في عدد من مجلة الثقافة الموريتانية، بجدلية "الغازي الذي سيصبح أسيرا" ..

أجل في كل مرة،  يستسلم "النصراني" أو "الرجل الأبيض" لأبهة الرمال، وعبق الليل، وسحر الصمت المطبق "...
في هذه البلاد، كانت أسطورة تفوق الرجل الأبيض، تتلاشى شيئا فشيئا لتفسح المجال أمام حالة من التأمل والإنبهار في حضرة الإنسان والمكان...
إنه نفس الموقف الذي أدى فيما بعد، ب "سانت أكسبيري" أن يسكب نفسه "في حياة الروح هذه التي كان يراها أعلى منزلة من حياة الحداثة". وقد عبر عن ذلك التحول الوجودي الذي حصل في حياته عندما ألِف هذه البلاد وصحراءها، قائلا: "كنتُ أظن أن ما أعيشه هنا هو مجرد مغامرة عابرة، بينما كنتُ أجد كل ما هو أساسي هناك في أوروبا، لكنني اكتشفت في نهاية المطاف، بأن الثروة الحقيقية الوحيدة التي أمتلكها إنما توجد هنا في الصحراء، متجسدة في هيبة الرمال، وسكون الليل، وهذا الصمت السرمدي.. الذي أنعَمُ به هنا في وطن الرياح والنجوم"...