ما الهوية الثقافية؟

بواسطة yahya

ما الهوية الثقافية؟
(3) 
يتضح من التعريفات الآنتروبولوجية السابقة  أن الهوية الثقافية لا تتضمن الاختلاف في الدخل و المستوى المعيشي للمجموعات أو أفرادها، و لا تمت بصل للون البشرة. و إذا كانت الهوية الثقافية تتعلق بالعادات و التقاليد و القيم و أنماط السلوك و طرق العيش و الزي ... فإن هذا هو ما يجمع المكون العربي  ، في موريتانيا، بحراطينه( العرب السمر) و بيظانه ( العرب الطينيين)، بحكم اشتراكهم في اللغة و التراث المادي و اللامادي و الذاكرة الجمعية بما تختزنه و تحفظه من إيجابيات الحياة و سلبياتها. قد يقول قائل إن لحراطين لديهم ما يميزهم، فنقول إنما يميزهم عن البيظان ليس الهوية و إنما مظالم التاريخ و استمرار مخلفاتها المادية و المعنوية و النفسية في الحاضر ... لكن لحراطين،  أنفسهم، كمكون اجتماعي متفاوتون في هذه المظالم. فثمة بعض الحراطين الذين لم يعرفوا الاستعباد أبدا في تاريخهم، جدا عن جد، و لم يتعرضوا للمهانة الاجتماعية ... و من الحراطين من نال أجداده الحرية منذ قرون ، و منهم من عاش في وسط استعبادي أخف وطأة من وسط آخر. كما أن الحراطين لا يرتبطون بنسب واحد موحد ، شأنهم في ذلك شأن بقية الشرائح الاجتماعية كالزوايا و لمعلمين و إيكاون و آزناكّه.
و لحراطين لا يحتكرون لونا عن بقية مكونات المجتمع الموريتاني، ففيهم الأسود و الأبيض، و في أسياد الماضي الأبيض و الأسود، كما في شرائح البيظان الأخرى. و هذا التفاوت في درجة الحرية في الماضي ، في أوساط الحراطين، أورثهم تفاوتا في المستوى الاقتصادي و في المكانة الاجتماعية. فكما نشهد بعض البيظان يمتنع عن تزويج بناته لبيظان بيض بالنظر للمكانة الاجتماعية أو لحجم التباين   الاقتصادي بينهم، فكذلك هناك حراطين لا يقبلون بتزويج بناتهم لحراطين، لذات الأسباب. و كما في منظومة مجتمع  البيظان " نبلاء- خيام اكبرات" ، هناك  في منظومة لحراطين" نبلاء- خيام اكبرات". و كل هذا التفاوت الهرمي يحيل إلى الاشتراك ، بين لحراطين و البيظان ، في ذات الهوية الثقافية للمجتمع العربي في موريتانيا. 
■ الهوية الثقافية.. و المظلومية التاريخية.
بعد أن كشفنا انفصال الهوية الثقافية و الانتماء القومي  عن متغيرات الوضع الاقتصادي و لون البشرة ، فإن أحدا لا يجادل في الوضعية الخاصة للحراطين، عموما، و في حجم المظالم التاريخية التي تعرضوا لها ؛ خاصة جريمة الاستعباد و ما ترتب عليها من مخلفات اجتماعية و اقتصادية و تربوية و نفسية و معنوية،  ضاعفت قسوتها موجات الجفاف و سوء الحكامات المتتالية و رداءة الحكام المتوالدين ، بعضهم من بعض ، و فشل المنظومات المتتالية للتعليم و التربية. لكن مع ذلك،  يجب فصل أمرين لا يشتركان في أي رابط: أمر الحقوق و سبل تداركها ، و أمر الهوية الثقافية و الانتماء القومي العربي. فالهوية الثقافية تفاعل سوسيو- ثقافي- نفسي لم يقم بقرار تواضعي بين أجداد البيظان و أجداد لحراطين؛،   بينما المظالم و مخلفاتها نتجت عن ظلم اجتماعي جراء معطيات سياق تاريخي و قيمه و انتاجه و أدوات و علاقات الانتاج ... و سلاسل توزيع السلطة و القوة فيه.  الأمر الأول لا نملك تبديله إلا إذا اجتمع جميع لحراطين، رجالا و نساء و أطفالا في صعيد واحد  ،و  في جلسة واحدة فقط، لتستمر ألف عام، بهدف تغيير شبكة العلاقات و القيم و اللغة و التقاليد و العادات و أدوات التعبير المادي و المعنوي... التي تربطهم بمكونة البيظان! و أما المظالم التاريخية و ما انجر عنها من مخلفات فإنه لا يقف في وجه حلها إلا إرادة سياسية وطنية جدية تفرض معالجتها بإقامة دولة المؤسسات و إيقاف مفعول دولة القبائل و المكانات الاجتماعية بالوراثة، و بوضع برامج و مشاريع اقتصادية و معايير تطبيق القانون دون انحياز، و بنهج الكفاءة الفردية و التوزيع العادل للثروة ...  
إن علاج مخلفات حقبة الاستعباد  يمكن أن تتحقق بالتدريج  عبر :
1- وضع برامج استيراتيجية  اقتصادية و اجتماعية و تربوية مع مشاريع مندمجة للتنمية القاعدية و التأهيلية في مختلف  مناطق الهشاشة في البلاد، و لا حاجة لذكر ( مناطق لحراطين) و لكن لحراطين بالنتيجة سيكونون الأكثر استفادة من تلك البنى. 
2- وضع خطة متكاملة لمحو الأمية في مناطق الهشاشة التربوية و التعليمية، و فرض إلزامية تمدرس الأطفال.
3- برمجة علاوة تشجيعية مغرية على ميزانية الدولة لعمال و موظفي الدولة ( المعلمين، الأساتذة، الممرضين، الأطباء، المرشدين الزراعيين و البيطريين...) في مناطق الهشاشة، الذين يعملون بأداء جيد و بإخلاص في خدمة هذه المجموعات.   
4- إعادة العمل بالكفالات المدرسية.
5- تشبيك مناطق الهشاشة بالطرقةالمعبدة و السالكة.
6- إصلاح عقاري صارم على قاعدة : الأرض لمن استغلها. 
■ و على مستوى معالجة الغبن الانتخابي.  تمكن المعالجة ب: 
1- التركيز على الكفاءة الانتخابية في الأشخاص المحليين و المحبوبين في مناطق الهشاشة.
2- اعتماد النزاهة في الانتخابات و القبول بخيار الناخبين المحليين في مناطق الهشاشة. 
3- منع ترحيل الأشخاص إلى مناطق الهشاشة أثناء الانتخابات بغرض التأثير على خيار المجموعات المحلية في مناطق الهشاشة. 
■، و على مستوى معالجة الغبن  الوظيفي ، تمكن المعالجة ب:
1- حصر التوظيف على أساس المسابقات الوطنية النزيهة.
2- حصر الترقية الوظيفية في مبدأ الكفاءة و النزاهة بصرف النظر كليا عن الانتماء القبلي و الفئوي و الإثني. 
3- تحريم و معاقبة منح  مؤسسات و خدمات و مرافق الدولة على أساس معيار "الشعبية"  القبلية أو الفئوية أو الإثنية.
فبأي الأمرين يجب مواجهة مخلفات الغبن التاريخي، بمختلف تعبيراته،  الذي يشكو منه لحراطين: أبوحدة المجتمع، أم بتدميره بخطاب الكراهية ؟  
( يتواصل).

محمد الكوري العربي