مشاعر إحباط.. و ليس قناعة!!
أثناء تصفحي لما ينشره بعض الناشطين علىالفيسبوك، لاحظت أن كثيرين من بينهم معارضون لحكم المحكمة بالسجن 15 سنة على الرئيس السابق... و لكن بالعودة لتاريخ الأكثرية من هؤلاء فإنهم كانوا معارضين لنظام الرئيس السابق عند ما كانت السلطة بيد محمد ولد عبد العزيز ، و بعضهم كان يتهمه باختلاس المال العام و بالتلاعب بمؤسسات الدولة و بالدوس على القضاء و بإشاعة الفوضى و العبثية في البلاد! و لما تأملت أسباب هذه المفارقة في تحول مواقف هؤلاء، بين أمسهم و حاضرهم ، لم أجد إلا الأسباب التالية:
● أول: يتعلق السبب الأول ،في تقلب مواقف هؤلاء ، بمزاجية الانسان الموريتاني و سرعة انفعاليته تجاه ما يستفزه، مما جعل أكثرية الموريتانيين بلا مواقف بالمعنى الدقيق، و إنما هم أصحاب ردات فعل و صدام لحظي، سرعان ما ينقشع مفعوله فورا بمجرد غياب المؤثر الخارجي دون اعتناء بالتبعات المادية و المعنوية للعامل الخارجي في غياب وجوده المادي... فغياب شخص معين، مثلا، من سدة الحكم يكفي لطي صفحة سلبيات نظامه من الأذهان؛ لأن ثمة تماهي بين النظام السياسي بكل رموزه و مؤسساته و بين شخص رئيس النظام. فقد لاحظنا أن معارضة الأنظمة لم تكن تعارض سياسات و ممارسات منفصلة عن الأشخاص؛ و إنما كانت معارضة لشخص الرئيس نفسه... و غياب الرئيس، شخصيا، عن السلطة، و لو لأسبوع، من شأنه إسقاط كل ما كان يقال في حقه من تهم و فساد و إفساد، حقا كان أو باطلا! و هذا ما سيستفيد منه لاحقا محمد ولد الشيخ الغزواني، مثلما استفاد منه محمد ولد عبد العزيز ، و قبله الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد للطايع... فالذين يتذكرونهم اليوم بخير، سبق أن قالوا فيهم ما لم يقل مالك في الخمر!
● العامل الثاني لهذا الرفض لحكم المحكمة و للدفاع عن نظام الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز هو أنه من المستحيل لدى الرأي العام الوطني اختزال هذا الحجم من الفساد و المسروقات المذهلة من الأموال و الأعيان، التي حكم بها على ولد عبد العزيز، من دون شركاء أو متعاونين أو متواطئين معه من أركان نظامه؛ فاستلاله، هو شخصيا، من منظومته الفاسدة التي حكم بها و أفسد بها، لا يمكن النظر إليه إلا من زاوية تصفية الحساب السياسي و حتى الشخصي مع الرجل... ؛ إذ لو لا هامان و شلة الملإ الأعلى من الأقباط، ما كان لفرعون، رامسيس، أن يقوم بتلك الجرائم البشعة في حق بني إسرائيل! و بالقياس، ما كان لولد عبد العزيز أن يحول موريتانيا إلى ملعب، و كانت فعلا ملعبا بيده ، يلعب فيه كيف شاء لو لا " هامانات" من وزرائه و رجال ثقته، ليس فقط من وسطه الاجتماعي، و إنما أيضا من أوساط اجتماعية أخرى استفادت من فساد رأس النظام، فأين هؤلاء!
● العامل الثالث، أن الرأي العام الوطني يقر بأمرين: الأمر الأول أن ولد عبد العزيز كان فعلا فاسدا لكن كانت له إنجازات شاهدة، قد تكون مغشوشة و لا تستجيب للمعايير الدولية ، و قد تكون مشاريع مرتجلة و قد يكون الغرض من تلك الإنجازات خلق بيئة مناسبة للسطو على أموال الشعب... الأمر الثاني أن ولد عبد العزيز كان الرئيس الذي قام بمنشآت استيراتيجية ملموسة و قابلة للتقويم و القياس، بخلاف من سبقوه و من خلفوه، الذين اختلسوا و يختلسون أموال الشعب، هيلا، في غياب أي إنجاز!
● العامل الرابع: أن الرأي العام مجمع على أن ما يجري من فساد و نهب ، في ظل نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني غير مسبوق، خاصة على أيدي أقارب الرئيس و أصهاره، و أن من المفارقة أن يحاكم الرئيس محمد ولد عبد العزيز و ابن عمه و صهره، على الفساد، فيما يخاف القضاء، فقط، من تأشير فساد عناصر الدائرة الضيقة من أقارب الرئيس و لد الغزواني، طالما أنهم متمترسون خلف نفوذ السلطة، إذ لا فرق ، في منطق القانون و حرمة أموال و ثروات الشعب الموريتاني، بين فساد ولد امصبوع و فساد حدمين ولد الغزواني، أو فساد الرئيس ولد عبد العزيز و فساد الرئيس ولد الغزواني! هذا ما يقوله الموريتانيون بعد المحاكمة.
● من هذه العوامل ، أرى أن حملة التعاطف مع الرئيس السابق ليست نابعة من قناعة الناس بأنه ظلم على مستوى القانون أو أنه كان نموذج للاستقامة و طهارة اليدين و الضمير ، و إنما نبعت هذه العواطف جراء مشاعر الإحباط في النظام القائم من جهة، و لانتقائية عناصر مشهد المحاكمة و لترك الحبل على الغارب، كما يتحدث الشارع، لأقارب الرئيس الحالي ليفسدوا... مما سهل تأويل المحاكمة بأنها كانت سياسية و تصفية حساب بامتياز.
● شخصيا، كنت معارضا سياسيا لنظام ولد علد العزيز .. لكن ليست لدي أدلة قانونية ، و لست مطالبا بها، على فساد ولد عبد العزيز كشخص، و لا على فساد ابن عمه و صهره، فتلك مهمة القضاء و مسؤولية القانونيين أصحاب الاختصاص و مؤسسات الرقابة الوطنية ، و لكن أشهد أن التواتر على الفساد الذي أشاعه الشارع الموريتاني عن ابن الرئيس السابق و صهره، ولد امصبوع ، عندما كانوا في السلطة، هو ذاته التواتر عن فساد صهر الرئيس ولد الغزوني و ابن عمه، هذه الأيام، فهل صحيح ما يشاع؟ ليس لدي أي دليل و لا أتهم أحدا في غياب ذلك، مثلما لم أتهم أي قريب للرئيس السابق، لا أثناء حكمه و لا بعد ذهابه. ما أعرفه أول أن الذين انتشوا بمحاكمة ولد عبد العزيز و ابن عمه و صهره، هم أنفسهم من سينتشون بحاكمة الرئيس ولد الغزواني و ذويه و أصهاره... إذا ما وقعت محاكمتهم، بعد السلطة، و ما أعرفه ثانيا أن على أقارب الرئيس ولد الغزواني و أصهاره أن يبتعدوا عن الشبهات و ما يمكن تفسيره بالمتاجرة بنفوذ رئيس الجمهورية... فأعين الجميع عليهم ترصدهم و تحصي أنفاسهم ، أحرى ممتلكاتهم و مخابئهم، خاصة من يثقون بهم، من مجتمعهم ... ثم من الآخرين!
● إن المكسب الأساس من محاكمة الرئيس السابق و جرجرته مع صهره، تحت عنوان الفساد، بالنسبة للشعب الموريتاني، ليس إهانة هؤلاء الأشخاص، و إنما استرجاع تلك الأموال المنهوبة للخزينة الوطنية ... ثم فتح باب محاكمة الرؤساء، من الآن و صاعدا في المستقبل، مع المفسدين من دوائرهم العائلية و المصلحية و الانتهازية... الذين تعودوا على تحويل ثروات موريتانيا و أموال شعبها إلى ممتلكات شخصية ، من دون أن يرف لهم جفن... أو يردوا على سؤال من أين لكم هذا !
و النصر للشعب و للقانون...
محمدالكوري العربي