نخبة التفكير السيتراتيجي.. و نخبة : لك الساعة التي أنت فيها!!
● الفرق بين التفكير السيتراتيجي و تفكير ( لك الساعة التي أنت فيها) ؛ هو أن الأول يخطط أصحابه برؤية تمتد لسنين بل قد تصل لعشرات السنين. ففي مؤتمر ألاكّ 1958، رفضت مجموعة المثقفين البولار ( خريجي المدارس الكولونيالية) للأكثرية العربية في موريتانيا حقها في تحديد هوية الدولة الناشئة، بمنع حاسم لأي صفة تربط الكائن الوليد بالعرب، فتفقت عبقرية الأستاذ المختار ولد داداه، رحمه الله، عن حل توهمي ضمنه في تسمية الدولة ب " الجمهورية الإسلامية" ، معتقدا أن العقيدة الدينية تصلح لتحديد الهوية السياسية للدول ، بينما تشمل العقيدة الدينية العديد من الهويات السياسية و الثقافية لشعوب كثيرة تختلف في كل شيء و تتفق فقط في الدين ! هذا حال المسلمين في موريتانيا مع المسلمين في أندنوسيا! ... هذا ما غاب عن الرئيس و جماعته من نخبة : لك الساعة التي أنت فيها! فكانت بداية الكارثة : موريتانيا همزة وصل !
● قبل أصحاب التخطيط السيتراتجي ( نخبة البولار لفرانكوفون) حل الأستاذ المختار ولد داداه بانتظار مزيد من الإعداد المادي و التحضير المعنوي للظروف الملائمة التي تزيد في إبعاد الدولة ، نفسيا و لغويا، من عمقها الثقافي القومي العربي التاريخي. كما قبلت ( نخبة البيظان، نخبة : لك الوقت الذي أنت فيه) مقترح المختار باسم الجمهورية الإسلامية الموريتانية لأن من شأنه أن ينهي الخلاف فورا و يعجل بعودتهم للخيام و التنزه و شرب كؤوس الشاي ... في مجالس الفتوة و " حوص الكّيفان" و هيدنات الفنانين، ريثما ينسى الهالوبولار لفرانكوفون مشروعهم !
● في 1966، سيدخل كل من السيتراتجيين و " اللحظيين" في اختبار لنجاعة تكتيك كل منهم، فيأمر رئيس الدولة، المختار و نخبة اللحظيين، باعتماد ساعتين من اللغة العربية في المنهاج التربوي الوطني ، فتندلع أحداث دامية، فيها ضحايا و خسائر في الأرواح، يقودها تلاميذة ، في الثانويات، من مكونة اتكارير، رفضا قاطعا للغة العربية ، باعتبارها لغة عنصرية لا تساوي بين مكونات البلاد ... لتدرك ( نخبة لك الوقت الذي أنت فيه) أن رفض الهابولار لفرانكوفون للعرب ازداد عنفا و عنفوانا أكثر مما كان عليه في مؤتمر آلاكّ... و تقف نخبة الهالوبولار لفرانكوفون على نجاعة استيراتيجيتها بازدياد نفاذ مشروعها في المزيد من الجيل الصاعد من أبنائها...
● و هكذا، لم تتوقف، منذ 1966، أحداث الرفض و التمرد و التنمر من قبل نخبة الهالوبولارلفرانكوفون على الأكثرية العربية، و لم ينفع مع ذلك الصدود كل أساليب التغاضي و التجاهل من قبل ( نخبة لك الساعة التي أنت فيها) للأفعال و التصرفات غير الودية ... كما لم تجد الميوعة و التمييع نفعا، في منهاج التعليم المجمهوري، لتقريب و ترطيب خواطر نخبة اتكارير ، سعيا للتطمينها على صون و احترام خصوصيتها القومية و الثقافية ، بحثا عن مشتركات الدين و الجيرة معها و التاريخ و الأنساب ... لكن ذلك كله كان حرثا في سباخ!
● في 1979، ستتفتق عبقرية ( نخبة: لك الساعة التي أنت فيها) عن أغبى " إصلاح" تربوي اعتمد طرح خيار التعليم بين اللغة العربية و اللغة الاستعمارية( الفرنسية)؛ فكانت تلك بحق " النغمة و العزف" اللذين هيجا شيطان الرقص لدى نخبة الهالوبولار لفرانكوفون التي تشتغل استيراتيجيا على كل ما يباعد و يفصل المكون الزنجي عن المكون العربي ، فأصبحنا أمام نظامين تعليميين متوازيين في دولة واحدة : نظام تعليمي بالعربية للعرب، و نظام تعليمي بالفرنسية للمكون الزنجي... و لكم أن تتخيلوا كم عظمة فرحة الهالوبولار( لفرانكوفون) الذين يفكرون استيراتيجيا لمشروع الانفصال ، و حجم خسارة من يفكرون بعقلية : لك الساعة التي أنت فيها ! إنه منذ 1979 و الشعب الموريتاني، بمفعول هذا الغباء، يعيش عمليا ، على مستوى النخب، واقع الانفصال ، لغويا، تواصليا، عاطفيا، سياسيا، ...
● في 1986، كانت النخبة السيتراتيجية للهالوبولار( لفرانكوفون) قد أعدت كل شيء للاختبار و للانتقال من مرحلة التحريض العنصري المنظم و المكثف ضد العرب الموريتانيين إلى المرحلة العملية و التنظيمية عبر تأسيس رافعات تنظيمية سياسية و عسكرية لمشروعها الانفصالي: فأسست حركة المشعل الإفريقي( افلام)، الذي هو تجمع لحركات متعددة ذات مشروع عنصري واحد ؛و أسست الجناح العسكري داخل القوات المسلحة الوطنية، يعنى الجناح المدني السياسي بتدويل التشويه الإعلامي للمكون العربي عبر توزيع البيانات و المنشورات و الشائعات في مختلف المحافل و المنتديات و المناشط الإقليمية و الدولية، بينما تكلف الجناح العسكري بتحضير قلب نظام الحكم السياسي في البلاد بأدوات و أشخاص من مكونة اتكارير حصرا ... لكن الحظ لم يكن حليفا لها، في محاولة الانقلاب 1987.
● كانت ( نخبة : لك الوقت الذي أنت فيه) خلال هذه الفترة ، كعادتها، غارقة في نهب مقدرات البلاد و اللعب بها في محافل القمار و الرقص و رمي رزم الأموال في الأعراس و شراء الألسنة و المديح و الأسفار بين مدن العالم و جلب ما سف و تفه من قيم الإنسانية...!
● 1989، كانت ذروة الإحباط بالنسبة لنخبة اتكارير لفرانكوفون ، لكنها شكلت منعطفا استيراتيجيا جهنميا على العرب الموريتانيين. لقد مثلت هذه السنة إحباطا كبيرا و عميقا لما بنته هذه النخبة مع جهات نافذة في المجتمع السياسي في دولةالسينغال و مع جهات سياسية و استخبارية فرنسية لإطاحة النظام السياسي لولد الطايع و إعداد القوة للاستيلاء على السلطة في البلاد... أو تشطير البلد بالتواطئ مع تلك الجهات... فيسهل لاحقا تنفيذ بنود فصل جهات البلاد عنصريا. لكن تدخل العراق ، في زمن القائد صدام حسين و حزب البعث لصالح الدولة الموريتانية ، أفسد المخطط بعد ما تم تزويد موريتانيا بأسلحة كثيرة و متطورة أجبرت المخططين على مراجعة تلك الحسابات و إلغاء خيار الحرب على موريتانيا.
● لكن الذين يعملون بالعقل السيتراتيجي لا يسد عليهم باب و لا يضيع من وقتهم ثانية في لهو أو عبث، فقد انعطفوا نحو مخطط تفتيتي للعرب، بالتفريق بين المكونة العربية، لاعبين على عاملين: عامل المظالم التاريخية للمنحدرين من أصول الاسترقاق و يعيشون في مخلفات ذلك الظلم، دون معالجة جدية و مخلصة من الأنظمة، و العامل الثاني سواد البشرة الذي يجمع بين لحراطين و الزنوج، سكان مدن ضفاف نهر السينغال. و كما أن من يشتغل بالسيتراتيجيا لا يهمل الظروف الرديفة لعوامل النجاح، فقد اختارت نخبة اتكارير لفرانكوفون الظرفية الدولية المناسبة لطموحاتها و المعادية للعرب و مشروعهم القومي عالميا: فالظرفية كانت انهيار المعسكر الاشتراكي و تفرد أمريكا و حلفائها بمصير شؤون العالم. و معروف أن أمريكا معادية لكل ما هو عربي و مناصرة لكل فعل يضعف من شأن العرب و المسلمين عموما، في أي نقطة من الوطن العربي، خاصة ما يتعلق بتفتيت وحدة مكونات أقطارهم العرقية. أما العنصر الثاني المناصر لمشروع تفتيت المجتمع العربي الموريتاني، فحرب أمريكا على العراق1991 و حصاره، و احتلاله لاحقا 2003... كان ذلك الغزو انكشافا للأمن القومي العربي برمته في كل أقطاره، و موريتانيا في أول المتضررين، كما تراجع، منذ ذلك التاريخ، خطاب و أداء القوى القومية العربية في موريتانيا و انساقت وراء فتات الأنظمة و خياراتها القبلية و مسرحياتها الانتخابية... و ما كان لمجموعة، من كبار المثقفين اتكارير لفرانكوفون الانفصاليين، أن تفوت فرصة ذهبية لا تأتي جميع عناصرها بوفرة إلا نادرا و على فترات تاريخية متباعدة جدا. فبدأ الجناح السياسي( افلام) يشتغل بعزيمة النمل على فك الارتباط بين العرب السمر ( لحراطين) و العرب البيض، ( البيظان) فأسس المنظمات الحقوقية الزنجية و ربط بينها و بين أجندة المنظمات الحقوقية في الغرب ، الأمريكية خاصة، و اخترق المنظمة الحقوقية( إيرا) التي أسسها، لاحقا، نشطاء حراطين و فتح أمامهم أبواب الإعلام الغربي التحريضي، و أبواب البرلمانات الأوروبية و الأمريكية و قاعات اللقاءات مع صناع القرار في الدول الغربية ، من وزراء الخارجية الأوروبيين و الأمريكيين و لوبيات الضغط العملاقة من اليهود الصهاينة في تلك الدول... فتم اختراق ( إيرا)أول بمختلف االتسهيلات و المغريات، وصولا لاحتوائها كليا، فهي الآن ، بخطابها و أهدافها العنصرية ، قناع لتنظيم تكروري بواجهة حراطين!
● و فيما كانت نخبة اتكارير لفرانموفون تشتغل ليلا و نهارا، لا يدخل لأحدها رأس في الظل و لا يتقي بردا في سبيل مشروعها، كانت ( نخبة : لك الساعة التي أنت فيها) سادرة في غيها و ملاهيها و سهراتها و فسادها... و كانت استخبارات الدولة غائبة، شأنها شأن آمريها، عن تتبع مسار تلك التطورات و التحولات التي تشتغلها مجموعة اتكارير لفرانكوفون ، و هي( استخبارات الدولة) أكبر غيابا عن رسم السيناريوهات و المخططات التي يحتمل أن تنعطف إليها الأحداث، بعد 1989 ... حتى وصلنا إلى المرحلة التي تقف البلاد اليوم عليها؛ فتخيرها حركة افلام و حلفاؤها بين القبول بتجنيس جميع مئات الآلاف من المهاجرين غير القانونيين من ذوي البشرة السوداء، أو تأشير البلاد دولة عنصرية للعرب ، كما خططت لذلك مجموعة الرفض 1958، و واصلت على دربها أجيال... و كما نامت عن ذلك جماعة المختار و سارت على بساط نومها أجيال... و لا يتوقع أن يتغير برنامج نخبة لفرانكوفون الهالوبولار و لو بعد ألف سنة ، و لا أمل ، على نحو مطلق، أن يتغير نهج نخبة : لك الساعة التي أنت فيها، و المغيب أمل ... !!
محمد الكوري ولد العربي