وقائع التاريخ ليست مُلَحًا !
" حدثوا الناس بما يفهمون".
يرى بعض المفكرين أن الأشخاص- الذين كانت مهنهم تلزمهم بالتفاعل اليومي مع العوام من المواطنين مثل الإداريين( الحكام، الولاة، الشرطة...) و رؤساء مصالح الأشخاص في المؤسسات،- هؤلاء لا تتطور عقولهم و لا تتعمق أفكارهم بسبب انشغالاتهم السطحية اليومية التي تتنافى مع العمق و التجريد ... و من أطرف ما سمعت قول منسوب لإداري موريتاني (حاكم متقاعد) ، قال: إن ميشيل عفلق و صلاح البيطار و (... ) مسيحيين ... أسسوا حزب البعث ليتجاوزوا به معضلة فضاء منطقة الشام ذات الأغلبية العربية المسلمة، بهدف تخليص الأقلية المسيحية من خطر الإسلام و المسلمين! : فمتى تعرض المسيحيون العرب أو الصابئة أو الدروز... أو اليهود للخطر تاريخيا من قبل الأكثرية المسلمة في المشرق أو المغرب العربيين حتى يحتال " مؤسسو البعث" على الأكثرية المسلمة في منطقة الشام بالفكر القومي و " ينقذوا" أهل ملتهم من المسيحيين ؟
ثانيا، من قال للسيد الحاكم إن النواة الأولى للبعثيين كانوا جميعا مسيحيين.، فهل صلاح البيطار مسيحي، و هل أكرم الحوراني مسيحي!
ثالثا: الفكر القومي تبناه مفكرون عرب كبار قبل تأسيس حزب البعث، زكي الأرسوزي، و ساطع الحصري و ابنه خلدون... ، و تبناه آخرون لاحقا في منطقة الشام من غير البعثيين ، منهم شخصيات درزية عظيمة، باشا سلطان الأطرش، و كمال جمبلاط...
رابعا، شر البرية ما يضحك: قال أيضا( الإداري السابق) إن الحركات الإديولوجية ما إن تصل إحداها إلى موريتانيا حتى يكسيها الموريتانيون "زيهم المحلي"... فمثلا البعثية كانت، في نظره، خاصة بْلِعْرَبْ ( أهل السلاح في المجتمع الموريتاني القديم)، و أن الناصرية احتكرها الزوايا من الجتمع، و أن الحركة الوطنية الديموقراطيةMnd احتكرتها الفئات الاجتماعية المهمشة ، بتعبيره، مثل لمعلمين و لحراطين، و ... أرجو أن يخضع السيد (الحاكم السابق) كلامه ، الذي استمع له و اقتنع به ، ربما مغفلون، إلى وقائع تاريخ نشأة هذه الحركات، و يستعرض أمامه لائحة الأسماء و الخلفيات الاجتماعية لأشخاص الأنوية الأولى لقيادات هذه الحركات عند نشأتها في موريتانيا ، لير، هو نفسه، إلى أي مدى كان كلامه، مع الأسف، مجانفا للحقيقة و بعيدا من الجدية و الموضوعية و العناية المطلوبة في شهادات و أحاديث الشخصيات العامة! هناك مواضيع كثيرة تصلح للملح و التظرف غير تحريف وقائع التاريخ ...
و أتمنى عليه، أخيرا، أن ينتهز بعض فراغه، بعد التقاعد، من شؤون التسيير الإداري اليومي، إلى دراسة معمقة للفكر القومي العربي، خصوصا، و لكل فكر عموما فذلك أنسب لشخصية عامة مثله و أجلب لاحترامه، هو شخصيا، بغض النظر عن موقفه الإديولوجي من الحركات القومية العربية... علما أنه محسوب ، إديولوجيا، على (سياج/ مؤيدي ) اليسار الموريتاني... ( الكادحين)...
محمد الكوري العربي