على إفريقيا الآن. أن تمول مستقبلها!"

بواسطة yahya

"على أفريقيا الآن أن تموّل مستقبلها!"
ذلك هو فحوى النداء الصادح الذي أطلقه د.أكينومي أديسينا،  الرئيس السابق للبنك الإفريقي للتنمية (AfDB)، مع انعقاد مؤتمر الأمم المتحدة الرابع حول تمويل التنمية هذا الأسبوع في اشبيلية، بحضور لافت لخمسين من رؤساء الدول والحكومات، وبمشاركة متميزة لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني. ولعل كثيرين منا يتذكرون تلك الشهادة الرائعة، في حق فخامة رئيس الجمهورية والتنويه بحسن أدائه خلال رئاسته للاتحاد الإفريقي، التي أدلى بها د. أديسينا نفسه، بالصوت والصورة في القمة الأفريقية للطاقة "المهمة 300" في دار السلام، بتنزانيا، في يناير الماضي.

ولا شك بأن القارة الإفريقية تمر حاليا بمنعطف حرج، مع تقليص  الدول الغنية - ولا سيما الولايات المتحدة- لمساعداتها الإنمائية بشكل حاد وغير مسبوق في تاريخ تمويل التنمية منذ القمة الأولى في مونتري بالمكسيك حول الشراكة في التنمية سنة 2002.

لذا، يتوجب على إفريقيا الآن-كما يقول الإقتصادي الإفريقي الكبير السيد أديسينا، الإجابة على سؤال مُلحّ: كيف نموّل تنميتنا بشكل مستدام؟

ولعل الجواب لا يكمن في البحث عن شركاء جدد ولا عن قروض إضافية، بل في الإستفادة الكاملة مما لدينا بالفعل، كما يقول صاحبنا، لأن أفريقيا ليست فقيرة، بل تكمن مشكلتها المزمنة في هدر مواردها البشرية النوعية أولا، ثم سوء استغلال مصادرها الطبيعية من الكوبالت والليثيوم في وسط أفريقيا إلى الذهب في غربها، والنفط في خليج غينيا، والثروة الزراعية في جميع أنحاء القارة، التي تنعم بثروات طبيعية هائلة.

ومع ذلك، ظلت إفريقيا ولعقود من الزمن، تصدر مواردها الخام وتستورد سلعًا جاهزة، وهو نموذج اقتصادي استعماري لا يزال يستنزف من القارة القيمة المضافة ويحرمها من فرص النمو الحقيقية، كما يعتقد أديسينا..

وإذا كانت هناك رسالة واحدة يجب أن تُسمع بوضوح في اشبيلية، فهي أن إضافة القيمة لم تعد خيارًا، بل ضرورة بالنسبة لإفريقيا. ويتوجب أن تعمل القارة على تثمين مصادرها البشرية النوعية، وعلى بناء قدراتها الذاتية  لاستغلال معادنها، وتكرير نفطها، وتعبئة منتجاتها، وتحقيق التصنيع محليًا في إفريقيا والتصدير إلى الخارج.

إن نجاح إفريقيا في القيام بذلك لن يخلق فرص عمل ويحفز النمو فحسب، بل سيحمي أفريقيا أيضًا من الصدمات الاقتصادية العالمية، ومن مخاطر خفض المساعدات، وتقلبات أسعار السلع الأساسية. ولكن لا بد لتحقيق ذلك من  أن تصل النخب الافريقية إلى نقطة تقول فيها: "كفانا.. لقد طفح الكيل من هذا الوضع المُزري!" يخلص د. أديسينا.

ولكن الترياق الذي يوصي به د. أديسينا، لا يتوقف عند  إضافة القيمة وحدها إذ لا تكفي؛ بل  يتوجب أن تتعلم أفريقيا التفاوض ككتلة واحدة، وليس كدول منفردة، غالبًا ما تكون في وضعية ضعف في مواجهة التكتلات الكبرى للدول أو للشركات العملاقة متعددة الجنسيات، سواءً تعلق الأمر بصفقات تجارية، أو تمويل المناخ، أو شراكات سلسلة التوريد العالمية، لأن الصوت الموحد يمنح أفريقيا نفوذًا وقوة تفاوضية لا تعوض.

كما ينصح د. أديسينا قادة الدول الافريقية، باعتماد -على وجه السرعة- نهج أفريقي شامل للدبلوماسية الاقتصادية، نهج يعزز التجارة البينية الأفريقية، والتصنيع الإقليمي، ومواءمة السياسات الاقتصادية والمقاربات التنموية داخل القارة.

ويرى د. أديسينا بأنه لا مناص لإفريقيا  من العمل على رسم مسار تنموي جديد وجريء لصالح القارة،  يُبادر من خلاله خبراء التمويل الأفارقة إلى الارتقاء إلى مستوى الحدث، ويتجاوزوا التشخيصات إلى استراتيجيات واضحة وخطط عمل قابلة للتنفيذ.

ويختم د. أديسينا بالتأكيد على أن الوقت قد حان لأفريقيا، لتمويل مستقبلها بنفسها، ليس بصدقات الآخرين، بل بالشجاعة والتنسيق والالتزام الداخلي؛  فالأراضي الإفريقية خصبة وهي تزخر بالخيرات، والموارد البشرية النوعية متوفرة.. و ما تحتاجه  إفريقيا الآن هو الإرادة والوحدة لتحويل هذه الثروة إلى تنمية حقيقية و إلى ازدهار دائم. 
وفي الأخير، ينصح د. أديسينا بأنه كلما أدرك الأفارقة مبكرًا أنه لا يوجد في العالم شيء مجاني، كان ذلك أفضل لنا جميعا..

الدكتور محمد السالك ولد ابراهيم